رفاق الموت.. ضباط المفرقعات
لم يكن الاحتفال الذي أقامته وزارة الداخلية بمناسبة اليوم العالمي للحماية المدنية وشهده مقر الإدارة بطريق مصر/ السويس الصحراوي، مجرد عرض قتالي لمجموعة من الضباط الذين يتحلون بالشجاعة والإقدام، بقدر ما كان الاحتفال يعكس جزءا حيا وبثا مباشرا لطبيعة رجل الحماية المدنية..
وهي الطبيعة التي اكتسبت صلابة عبر مواجهة العشرات، بل المئات، من المواقف الدقيقة والتعامل مع الحالات الحرجة، التي يتعرض لها ضابط الحماية ضمن عمله اليومي.
اقرأ أيضا: تفاصيل صفقة "الجنس مقابل الطعام"
إن المواقف التي يتعرض لها ضابط الحماية المدنية لا تقبل القسمة على اثنين، فهي تتنوع ما بين إنقاذ أسرة من بين ألسنة النيران التي أمسكت بعقارهم، أو إبطال مفعول قنبلة أو عبوة مفخخة تستهدف حياة الأبرياء، أو تسلق أسطح المنازل في الأدوار الشاهقة لنجده شخصا عالقا بين السماء والأرض..
أي إن كل هذه المواقف تحمل معها لقاء بالموت الذي يبدو في حديث ضباط الحماية المدنية حدثا عاديا جدا وليس استثنائيا، يرونه كل يوم في تفاصيل يومهم، أو يسمعون عنه في أخبار زملائهم الشهداء الذين يلقون حتفهم، ومع ذلك يتعاملون مع الموت بلا اكتراث ولا يضعون له أي اعتبار في حساباتهم.
اقرأ أيضا: فاتورة الأمن والاحتفالات غالية أوي
ولعل أكثر ما يثير الدهشة، أنه مع كل بلاغ أو إشارة أو إخطار بحادث أو وجود عبوة ناسفة، أو اندلاع حريق، أو انهيار عقار، نسأل الله أن يحفظ مصر كلها بالأمن والسلام، تجد هؤلاء الرجال يتسابقون إلى تلبية النداء والحضور إلى أرض الموت ومواجهة الخطر بلا خوف أو تردد..
ضباط المفرقعات يتعاملون مع العبوات الناسفة والقنابل، فالخطأ الأول لديهم هو أيضا الخطأ الأخير الذي قد يكلفهم حياتهم، ومع ذلك يتسابقون فى أداء واجبهم، إيمانا منهم بقدسية الرسالة التي يؤدونها في حفظ الأرواح والممتلكات، وقد تحملوا خلال الأعوام الماضية أداء هذه الرسالة على أكمل وجه، عندما حملوا أكفانهم على أيديهم بمنتهى الرضا والشجاعة في مواجهة موجة الإرهاب الأسود التي ضربت مصر بعد ثورة 30 يونية.
اقرأ أيضا: جثة في مقلب زبالة حيرت المباحث
إن أكثر ما لفت نظري في هذه الاحتفالية التي أقامتها الإدارة العامة لقوات الحماية المدنية، هو مظهرهم البسيط وهيئتهم العادية التي تعكس شعورا بالزهد، وإيمانا بتفاهة هذه الحياة وعرضها الزائف، وهم الذين يتعرضون للموت كل يوم، فهانت عليهم الحياة الدنيا ومتاعها الغَرور..
إن تكريم هؤلاء الأبطال، والوفاء لشهدائهم، لا يجب أن يحدث مرة واحدة كل عام في احتفال بيوم عالمي أو ما يشبه هذا، إن هذا التكريم ينبغي أن يكون واجبا يوميا على كل من يعرف فضل هؤلاء الرجال في إنقاذ جار أو نجدة حبيب أو إغاثة ملهوف أو حفظ حياة كل واحد منا..
اقرأ أيضا: قصة فتاة اخترقت أجهزة التزوير ببنك شهير
وقد أحسنت الإدارة صنعا إذ تذكرت أبناءها من الذين قدموا حياتهم فداء للواجب، ومن بينهم البطل الشهيد، الرائد مصطفى عبيد، بقسم المفرقعات بالحماية المدنية، الذى استشهد أثناء تفكيكه عبوة ناسفة فى عزبة الهجانة، والذي احتفل بالعام الجديد وسط أسرته، لكنه لم يكن يعلم أنه سيكون عامه الأخير فى هذه الحياة..
لأن قلوبا سوداء قررت زرع الموت فى منطقة مكتظة بالسكان، وكان عليه أن يلبى نداء الواجب وينقذ أهالى المنطقة، حتى لو كان المقابل روحه، وأيضا الشهيد البطل، النقيب ضياء فتوح، الذى جاد بروحه لينقذ مئات الأرواح من موت محقق، وقدم حياته فداء للوطن فى مواجهة قنبلة غادرة وذئاب إرهابية.