اقتصاد مصر يدفع ثمن التناحر السياسي..عبد الحميد: مرسي حمل إرثًا ثقيلًا من العهد السابق والمصروفات ارتفعت 423 مليار جنيه.."بسنت فهمي" تستنكر إلقاء الحكومة باللوم على المعارضة
عكست مؤشرات الاقتصاد المصري، حالة التناحر السياسي الذي تشهده البلاد على مدى الأشهر العشرة الأولى من حكم الرئيس محمد مرسي، الذي وصل إلى سدة الحكم عبر أول انتخابات رئاسية في مصر منذ إطاحة ثورة يناير بنظام الرئيس السابق حسني مبارك الذي قبع بالحكم لنحو 30 عاما.
وشهدت أغلب المؤشرات الاقتصادية المصرية، تراجعا خلال شهور العام المالي 2012/2013، ليلقي مؤيدو الرئيس المصري المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين اللائمة على قوى وأحزاب المعارضة التي تسعى بين الحين والآخر لإثارة الاضطرابات السياسية في محاولة لإعاقة أي فرصة للنظام لإعادة عربة الاقتصاد إلى القضبان من جديد، فيما تتهم المعارضة الحكومة الحالية بالفشل في إدارة العديد من الملفات الاقتصادية.
وتولى مرسي الرئاسة رسميا في 30 يونيو مما يوافق انتهاء العام المالي.
وتعترف وزارة المالية المصرية أن الاقتصاد لم يستطع تحقيق معدلات النمو المرجوة لتحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، بسبب ظروف غير ملائمة على الصعيدين المحلي والعالمي.
ويقول أحدث تقرير لوزارة المالية في مايو "إن عجز الموازنة الكلي مقابل الناتج المحلي ارتفع إلى 10.6% خلال العشرة أشهر الأولى من العام المالي الحالي، ليبلغ 184.8 مليار جنيه (26.4 مليار دولار)، مقارنة بعجز قدره 117.8 نهاية العام المالي الماضي 2011/2012.
ودفع عجز الموازنة الحكومة المصرية، إلى الاستدانة محليا عن طريق طرح سندات وأذون خزانة، ودوليا عن طريق الحصول على قروض ومساعدات من دول أجنبية مما أدى إلى مواصلة الدين العام للبلاد الارتفاع.
وبحسب تقرير "المالية"، ارتفعت نسبة الدين المحلي لتصل إلى 80% من الناتج المحلي في نهاية مارس مسجلا 1.38 تريليون جنيه، مقارنة بنحو 1.089 تريليون جنيه نهاية مارس 2012.
وحصلت مصر على قروض ومنح من قطر بقيمة 8 مليارات دولار خلال الـ 8 أشهر الأخيرة في صورة ودائع وسندات حكومية، منها مليار دولار منحة لا ترد، بالإضافة إلى 2 مليار دولار من ليبيا في صورة وديعة بالبنك المركزي المصري، كما حصلت من تركيا على 2 مليار دولار، بالإضافة إلى 470 مليون دولار من صندوق النقد العربي.
وقال خالد عبد الحميد عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين: "الرئيس مرسى حمل إرثا ثقيلا من العهد السابق، أدى إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية خاصة في ظل تعدد المطالب الفئوية بعد الثورة".
وتبرر الحكومة زيادة عجز الموازنة بتفاقم بند المصروفات وتراجع الإيرادات.
وبحسب البيانات الرسمية، سجلت المصروفات خلال الفترة من يوليو 2012 وحتى إبريل الماضي ارتفاعا كبيرا قدره 23.6%، لتصل إلى 423 مليار جنيه بسبب زيادة الإنفاق في كافة أبواب المصروفات وعلى رأسها الارتفاع في باب الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية وارتفاع الأجور وتعويضات العاملين.
وارتفعت فاتورة الأجور وتعويضات العاملين بنسبة 23.2%، لتصل إلى 112.8 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو إلى إبريل من العام المالي الحالي، مقارنة بـ 91.5 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام المالي الماضي.
ويرى عضو اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة، أن السبب الحقيقي في معاناة اقتصاد مصر هو المشاكل السياسية "المفتعلة"، مما يعرقل أي خطط تساهم في إنعاش اقتصاد الدولة وإعادة عربته إلى القضبان.
وأضاف: "نحتاج إلى حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والنقدية على فترات قصيرة وطويلة المدى".
وتقول وزارة المالية المصرية إن معيشة المواطنين كان يجب أن تكون أفضل بعد ثورة يناير لكن ظروفا حالت دون ذلك وأدت إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي ليصل إلى 9% بنهاية مايو الماضي.
وتعزو الوزارة أسباب التضخم إلى ارتفاع أسعار مجموعة "الطعام والشراب"، أكبر الأوزان مساهمة في معدل التضخم العام، ومجموعة المسكن والمياه والوقود وانخفاض قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأخرى وعلى رأسها الدولار.
ومن جانبه، قال إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية: "هذه المؤشرات السلبية للاقتصاد كانت متوقعة في ظل انخفاض الاستثمارات والاضطراب السياسي وارتفاع معدلات البطالة".
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن معدل البطالة ارتفع إلى 13.1%، مقارنة بـ 11% منذ عام، ليصل عدد العاطلين في مصر إلى ما يقرب من 3 ملايين شخص.
فيما استنكرت بسنت فهمي الخبيرة المصرفية، ونائب رئيس حزب الدستور المعارض إلقاء الحكومة باللوم على المعارضة بعدم إتاحة الفرصة لإعادة تنشيط الاقتصاد غير مقبول".
وأضافت فهمي: "ما هي الفرصة التي تريد الحكومة الحصول عليها، وهي فشلت في التعامل مع العديد من الملفات، لاسيما تكرار أزمات نقص الوقود وانقطاع الكهرباء وأخيرا أزمة ملف المياه مع دول حوض النيل".
وقالت: "الاقتصاد كان ينتظر عودة الأمن لحدوث استقرار في مختلف الأنشطة وكذلك حدوث وفاق سياسي لكنه لم يحدث.. النظام مسئول عن تهميش الكفاءات حتى وإن كانوا محسوبين على النظام السابق".
وأكد فخري الفقى، مساعد المدير التنفيذي السابق لصندوق النقد الدولي والقيادى بحزب الوفد المعارض، أن هناك خللا في إدارة الموازنة المصرية يعكس عجز الحكومة على ضبط إيقاع المصروفات وتحصيل الضرائب مما أدى إلى زيادة الدين العام لسد العجز.
وأضاف: "نسبة الدين العام شاملا المحلي والخارجي، بلغت نحو 95% من الناتج المحلي الإجمالي مما يعني أن مصر تخطت الحدود الآمنة، مشددا على ضرورة اهتمام الحكومة ببرنامج الإصلاح الاقتصادي للحصول على قرض صندوق النقد.
وتطلب الحكومة قرضًا قيمته 4.8 مليارات دولار من صندوق النقد، لكن الأخير طلب إجراء إصلاحات اقتصادية تعكف الحكومة على إعدادها حاليا، من أجل سد فجوة تمويلية ودعم احتياطي النقد الأجنبي الذي أدى تراجع المعروض منه في السوق إلى الضغط على العملة المصرية.