سلامات
المعروف عن الشعوب العربية عامة، والشعب المصري بشكل خاص، أنها شعوب عاطفية، بمعنى أن علامات الألفة والمحبة لا بد وأن تثبت بالدليل القاطع والحاسم حين اللقاء، خاصة إذا كان هذا اللقاء عقب اشتياق، فلا تكفى حينها مصافحة، أو ابتسامة للتعبير عن المودة والمحبة.
ولا بد كما جرى العرف أن يصاحب هذا اللقاء الحار، عادة سيئة تشيع أجواء الأمراض والفيروسات، خاصة إذا كان أحد طرفيها يعانى متاعب صحية معدية مثل نزلات البرد العنيفة فى فصل الشتاء، أو مرضا جلديا ينتقل عن طريق ملامسة الوجه، أو معانقة حبات عرق غزيرة فى قيظ الصيف.
اقرأ أيضا: ماراثون حشو الأدمغة
راقت لى دعوة أستاذى القدير ذى المنصب المرموق، عبر صفحته على "فيس بوك"، وهو المعروف عنه مودته واجتماعيته الشديدة مع من حوله، حين أعلنها صراحة أنه لا يفضل التقبيل والمعانقة عند لقاء الأصدقاء، خاصة وأن لقاءه بزملائه يتم يوميا وبشكل مستمر بلا انقطاع، فلم إذا هذه القبلات وما فائدتها؟
اقرأ أيضا: أسلاك الموت
وجاءت تلك الدعوة تواكبا مع كابوس يؤرق العالم، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، الذى ينتقل من البشر إلى بعضهم عن طريق التخالط بالتنفس أو ملامسة أسطح ملوثة بهذا الفيروس القاتل.
كنت فى أيام الشباب الأولى، وكعادة جيلى من أبناء المناطق الشعبية، حين نلتقى أن يكون لقاء حارا بالغ المودة كتعبير عن محبة أولاد البلد، فلم يكد يخلو لقاء المقهى أو الشارع، من أربع قبلات على جانبي الوجه، ولا أعلم لماذا أربع حتى الآن! مع عناق حار و"طرقعة" على أكتاف الصديق فى دلالة على المحبة والمودة البالغة.
اقرأ أيضا: المتنمرون
استوعبت جديا الدعوة المطلوبة بشدة هذه الأيام، والتى لا حرج بها مطلقا أن نكتفى بالمصافحة اليدوية مع التشديد على اليد، أو الشفاهية مع إبتسامة مودة وحب، بديلا عن القبلات والعناق، ما يكفى للتعبير عن المشاعر الطيبة المتبادلة.
اقرأ أيضا: أسير المعروف
لو تخلينا شيئا فشيئا، مثلما دعت صديقة إعلامية أيضا عبر صفحتها، عن تلك العادة القبيحة، رجالا ورجال، ونساء ونساء، وقاية من الأمراض، وحفاظا لكيان المصافح، أن يرى منه أحد ما يكره، فيشتّم منه رائحة فم، أو يلمس عرق وجه، أو بشرة بها مشكلات صحية، لساعدنا كثيرا فى الوقاية أولا من القاتل "كورونا"، وغيره من القتلة الآخرين، فضلا عن حفظ الصحة العامة من أية ملوثات أخرى نتيجة تلامس البشر ببعضهم.
لنكتفى بالسلامات البعيدة، فهى أفيد للصحة، ولنجرب سلام الابتسامة، ونقول إن القبلات الحارة والعناق كثيرا ما أخفت خلفها كراهية وحقدا دفينا، معا للوقاية بتعديل سلوكيات سيئة قد تفتك بنا.