ماراثون حشو الأدمغة
هل بات لزاما علينا، توبيخ وتقريع ولوم أبنائنا، إذا أدوا ما عليهم من التزام دراسي، ولكن شاءت الظروف أن يخطئوا فى الامتحانات، أو يتعثروا فى إحدى الإجابات، لأسباب قد تكون خارجة عن إرادتهم.
مع بداية موسم امتحانات نصف العام الدراسي، وانخراط الطلاب فيها، كان لبيوتنا جميعا نصيب من أجواء التوتر والفزع، ومع تزايد عمليات الشحن النفسي من قبل الأسرة، بتنا نقرأ أخبارا عن حوادث وفاة أو انتحار بسبب هذا الشحن المتزايد على نفسية الطفل، من أجل التهام وجبة المناهج الدراسية المكدسة كاملة بلا نقصان.
فهذه أم انهالت على طفلتها الطالبة بالصف الثالث الابتدائي، ضربا، نتيجة نسيانها أحد البنود فى الامتحان، وتوفيت الطفلة من فورها بعد أن أصابت ضربات الأم قلبها فى مقتل.
اقرأ أيضا : الرصاصة
وهذا طالب آخر فى المرحلة الإعدادية شنق نفسه بعد أن وبخه أباه وأمه نتيجة نسيانه الإجابة على أحد الاسئلة، فدخل حجرته وأنهى حياته فى لحظة.
نماذج كثيرة للشحن الأسرى تؤثر على نفسية الطالب بل وعلى شخصيته المستقبلية وعلى قدرته على الابتكار والإبداع، بل وقد تنهى حياته فى لحظة، نعم يتمنى كل أب وأم التفوق التام، ولكن لا يتمنيان أبدا فقدان أبنائهم.
أشفقت على نجلى الطالب فى الشهادة الإعدادية حينما طالعت مقرر اللغة العربية للفصل الدراسي الأول، المكون من عدد كبير من القصص والدروس يكفى للتوزيع على عام دراسي كامل بل وأعوام عديدة، فى مادة واحدة فقط، يؤدى فيها الامتحان إلى جوار أخرى يوميا على مدار أسبوع كامل، فى "ماراثون حشو دماغى" لزهور قد لا يفيدها الحفظ بقدر ما يفيدها الفهم والتدريب والاستيعاب.
حولنا أطفالنا -ظنا أننا نحبهم، بالاشتراك مع واضعى هذه المناهج المكدسة- إلى "مراجل بخارية" تكاد ينفجر من كثرة الضغوط. حولناهم إلى ماكينات للحفظ، وتروس متآكلة داخل منظومة مناهج تتعامل مع العقل البشرى لصغار، بقدرة استيعاب (5 تيرا بايت).
واقرأ أيضا : اعترافات مؤجلة
أقول لكل طالب، فقط حاول قدر المستطاع تحقيق التفوق، بالفهم إلى جانب الحفظ "المفروض عليك"، ولا تترك المجال للسقوط فريسة الضغوط النفسية، بادر فقط بأداء ما عليك، راع ربك فى واجبك تجاه نفسك ومستقبلك وأسرتك، أد ما عليك واترك الأمر لله، وثق أنه عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملا.
ولكل أب وأم، رفقا بأبنائكما ونفسياتهم، رفقا بعقول صغيرة شاءت الظروف أن تُطحن بين شقى الرحى "أنتم والمناهج"، رفقا فلن يكون إلا ما أراده الله عز وجل، نعم شددوا عليهم وحثوهم على التعلم، ولكن بلا هلع ولا فزع من فقدان درجة أو نسيان حرف من جزء في سؤال، فلن يفيد كل هذا لو خسرتم حياتهم إلى الأبد.. رفقا بهم.