أكل عيش "السرسجية"
يبدو أننا بعد ثورتين مررنا خلالهما بأحداث ومناظرات ومهاترات وشعارات براقة، كانت جميعها كفيلة بأن تجعل من كل منا "بحر من العلم" أو حتى "ترعة من المفهومية".. لكننا للأسف ما زلنا نعوم في (بحر الغدر) و(شقلطونى فى بحر بيرة) فنغرق في مهاترات مع مجموعة ممن يدعون أنهم مطربين فنكون بذلك كالطبيب الذي يعالج العرض ويترك المرض.
والحقيقة أنه توجد العديد من المصطلحات التى انتشرت فى الآونة الأخيرة بعد انتشار أغانى المهرجانات ومنها كلمة "سرسجى"، وهو توصيف لبعض المراهقين الذين يأتون بتصرفات غير مألوفة على المجتمع المصرى، من حيث الشعر أو الملابس أو حتى طريقة الكلام أو الرقص بالسنج والمطاوى..
لذلك لم أجد وصفا أفضل من ذلك لوصف هؤلاء الذين يدعون أن تلك الكلمات البذيئة التي يتغنون بها هي مصدر رزقهم، وأن قرار نقابة الموسيقيين بمنعهم من الغناء سيحرمهم من ذلك المصدر، وهم صادقون وكاذبون في آن واحد، فقرار النقابة سيحرمهم فقط من أجور الحفلات لكن يتبقى لهم مصدر آخر وهو "اليوتيوب"، لذلك أرى أن نقابة الموسيقيين قد عالجت جزءا من العرض بينما على باقي مؤسسات الدولة ومعها الكتاب والمثقفين أن يعالجوا المرض قبل أن يستشري في عقول أبنائنا.
اقرأ أيضا: "حمو بيكا" والشهر العقاري وأشياء أخرى
المشكلة الحقيقية في رأي ليست هؤلاء، ولكن فى فراغ عقول الشباب لتصبح أرضا "بور" يرتع فيها كل من هب ودب ليفرغ فيها قاذوراته، حتى تنبهنا فجأة أننا في خطر لكننا لا نستطيع المقاومة، لذا فالحل هو إعادة بناء عقول أبنائنا وشبابنا، وحينها فقط لن نحتاج لمنع أو حجب أى أغنيات لانهم وقتها يكونوا متسلحين بالعلم.
الموضوع جد خطير لأن هناك خلطا بين الحرية والفوضى، فما نمر به الآن فى الساحة الغنائية يعتبر فوضى مطلوب اجتثاثها حرصا على مصلحة أبنائنا وشبابنا، فكيف تقنع شابا أن يفني ثلث عمره ليتعلم ثم يفني ثلث آخر ما بين البحث عن وظيفة وتدبير نفقات الزواج، ليقضي الثلث الأخير من عمره في محاولة لتدبير نفقات تربية أبنائه، وهو يرى الملايين والسيارات الفارهة يحققها آخرون بضربة واحدة أو أغنية واحدة أو فيلم واحد..
اقرأ أيضا: "مبارك" المفترى عليه
وكيف أستطيع أنا أو غيري إقناع أبنائنا أن العلم هو أساس التقدم وأن صاحب العلم له احترامه ومكانته فى المجتمع، وهم يرون عبر شاشات الفضائيات مقدمي البرامج يتهافتون للقاء كل من هب ودب ومعاملتهم معاملة النجوم، فهذا مقدم برامج يحاول حل الخلاف الذي نشأ بين مطربين على بنت الجيران، وهؤلاء مذيعات ثلاث يتمايلن على أنغام نفس البنت، وآخر يتهم نقيب الموسيقيين بأنه قاطع للأرزاق، وبرنامج آخر يعلن أن مقدمه سيستضيف في أولى حلقاته عبر شاشة التلفزيون المصري فنانا يطالب الكثير بمقاطعته بسبب تعاليه وإهانته لمن ينتقده علاوة على الفن الهابط الذي يقدمه.
أخيرا لا بد من ضبط المشهد قليلا رحمة بالأجيال القادمة، لكن وبالرغم من ذلك ما زال لدي أمل أننا قادرون على العودة إلى صوابنا وتصحيح ما أفسدناه بأيدينا. ahmed.mkan@yahoo.com