نجوم القبح.."اللى حضَّر العفريت يصرفه"!
قبل 4 سنوات تقريباً.. أعدت "فيتو" ملفاً صحفياً كبيراً من 16 صفحة بعنوان: "صناعة القُبح". أطلقنا خلاله جرس إنذار لما وصل إليه حال الفن والثقافة فى مصر. كان من أبرز ملامح هذه الفترة تنامى شهرة الرعيل الأول لمطربى المهرجانات: "أوكا" و"أورتيجا"، بالتزامن مع موجات أخرى من التردى على جميع المستويات، فى السينما والتليفزيون والثقافة..
وأكدنا يومئذ أنه لو يتم احتواء "وحش القبح" والسيطرة علي صناعته، واستئصال اقتصادياته، وتجفيف منابع إستراتيجياته، فإنَّ القادم سوف يكون أشد قبحاً، وهو ماحدث بالفعل. ولعلَّ أزمة مطربى المهرجانات الأخيرة، دليلٌ عملىٌّ على ذلك.
ورغم أنَّ دعوتنا بالتصدى لـ"سرطان القبح" قوبلت حينها ممن استهدفناهم ومن "الفانز" الخاص بهم على منصات التواصل الاجتماعى، باستهجان شديد، إلا أنَّ الواقع أثبت صدق توقعاتنا واستشرافنا للمستقبل.
اقرأ أيضا: الله .. في عصر العلم "3"
"اللى حضَّر العفريب يصرفه".. وكل هذه المظاهر نبتت وتوغلت واستشرت وتوحشت برعاية رسمية أو شبه رسمية، لم تنبت عشوائياً أو شيطانياً، بل كان لها رعاة رسميون يعملون بشكل أو بآخر تحت غطاء حكومى. الحفل الأخير الذى أقيم فى "استاد القاهرة"، تزامناً مع "عيد الحب"، وما شهده من تجاوزات صارخة والغناء للخمور والحشيش، تم تنظيمه وإذاعته أيضاً برعاية جهات رسمية!
نجوم القبح كانوا، خلال السنوات الأخيرة، الأكثر حضوراً وظهوراً عبر استوديوهات الفضائيات المصرية، وجميعها تعمل تحت مظلة حكومية خالصة، فى مقابل منع ظهور الفنانين والمثقفين والمفكرين الحقيقيين.
قبل عامين.. استضاف إعلامىٌّ من الوزن الثقيل، المثير دائماً للجدل "محمد رمضان"، ولم يكتفِ باستضافته داخل الأستوديو، بل أرسل كاميرا خاصة ترافقه منذ ارتدائه ملابسه وخروجه من منزله، وحتى وصوله إلى مدينة الإنتاج الإعلامى، فهل هناك سفهٌ أكثر من ذلك!!
اقرأ أيضا: إلحقوووونا
إعلامية أخرى كان يُنظر إليها بإكبار شديد، حرصتْ خلال هذه الفترة، على استضافة "أوكا وأورتيجا"، وثالثهم "شحتة كاريكا"، وأجزل زوجها المنتج لهم العطاء، باعتبارهم فنانين واعدين ومطربين حقيقيين، وأنهم نجوم المرحلة، ومؤسسين لـ"فن المهرجانات"! سيناريو يشبه استضافتها لـ "وائل غنيم" قبل 9 سنوات!
وفى الوقت الذى هاجمنا فيه "سينما السبكى"، باعتبارها كانت ولا تزال باباً واسعاً لمرور المظاهر الفنية الدخيلة والسيئة، كانت هناك فضائيات تستضيف الأخوين "محمد/ أحمد السبكى"، باعتبارهما مُنقذى صناعة السينما المصرية من الضياع، وامتداداً للرعيل الأول للمنتجين السينمائيين الكبار.
الأزمة لم تعد مقتصرة على لون رخيص من الغناء شكلاً ومضموناً، بل على سينما هابطة ومُخلة ورخيصة فى معظم أفلامها، ودراما تشبهها فى كل شيء. الدراما الرمضانية تموج منذ سنوات بقصص الانحرافات الأخلاقية والعلاقات الآثمة والمشاهد الفاضحة. الأغانى التى قررت الجهات الرسمية التصدى لها حاضرة بقوة فى المدارس. والجامعات نفسها تنظم حفلات فنية بحضور راقصات!
اقرأ أيضا: عندما ارتضينا إهانة القرآن الكريم!
الآن .. و"بعد خراب مالطا"، قرر أولو الأمر أخيراً "صرف العفريت"، وكأنهم لا يعلمون أن "العفريت" أصبح وحشاً كاسراً مُستعصياً على التخويف والإبعاد، صار جزءاً أصيلاً من واقع بائس وأليم، ويظهر ذلك من نبرة التحدى التى يتحدث من استهدفهم قرار المنع بها، وتأكيدهم أنهم فوق القانون، وأنه لا أحد يستطيع "فرملة" مسيرتهم الفنية المظفرة.
بالتجاهل والتغافل والإهمال.. وصلنا إلى درجة متأخرة من التدنى فى كل شيء. الصغار يتصدرون الصفوف، والكبار يتوارون فى الخلف، لا أحد يعيرهم اهتماماً. الرئيس فى مناسبات عديدة كان يتكلم عن "بناء الإنسان"، فى الوقت الذى كانت هناك جهات تعتكف على تنفيذ عكس ما يريده الرئيس.
اقرأ أيضا: الألش السخيف للتنويري الخفيف!
كبار المثقفين وعلماء النفس والاجتماع كانوا يتحدثون ويصرخون ويحذرون، ولكن دون جدوى. إذا طوينا صفحة الماضى بكل ما فيه، فهل تمتلك الدولة بكل سلطاتها الآن القدرة على اجتثات كل ما تسلل إلى الأرض المصرية الطيبة من قبح، توغل فيها ونما وترعرع، وتعيد حرث تلك الأرض لتتخلص من كل ما يعلق بترابها من سوء، وتوجه بإغلاق جميع الأبواب بالضبة والمفتاح، أمام كل ما يفسد حياة المصريين ويلوثها، ليس على الصعيد الفنى بحسب، ولكن على جميع الأصعدة: السياسى والثقافى والإعلامى .. والدينى أيضاً؟!
مصر تمتلك قوى ناعمة حقيقية، حان آوان استنهاضها وتفعيلها وتوظيفها للارتقاء بوعى المصريين وبناء الإنسان، على النحو الذى يصبو إليه الرئيس، ويحلم به كل وطنى شريف، ولتصدير صورة مثالية لها بالخارج. مصر ليست تلك الإفرازات والتنوءات التى ظهرت بشكل مَرَضى فى جسد الوعى المصرى فى غفلة من الزمن. مصر تستحق أفضل كثيراً مما هى عليه الآن، إن توافرات الإرادة الخالصة والنوايا الصادقة..
