الشهيد يوسف السباعي.. دخل الصحافة من باب الأدب
حين سئل الأديب يوسف السباعى لماذا لم يكتب مذكراته مثلما يفعل أغلبية الكتاب، جاء جوابه منطقيا حين قال إنه ليس بحاجة الى كتابة المذكرات لأن كتب بالفعل أدق تفاصيل حياته فى كتبه ورواياته.
وقال يوسف السباعي باحد مقالاته: إن حياة الكاتب ليست ملكا خاصا به بل هى ملك مشاع بين القراء وأنا فى كتبى أقدم لكم قطعة من حياتى اقتطفها كما هى وألقى بها إليكم عارية مجردة لا أثر فيها لخيال قاص أو ابتكار المؤلف، وبيدى لا بيد عمرو.
ورث يوسف السباعى (ولد 1917 ورحل فى مثل هذا اليوم 18 فبراير 1978 ) الشخصية المبكرة عن أبيه وكان هناك تلاحم كبير بينه وبين والده ـــ محمد السباعى اشهر مترجمى عصره ـــ فكان يوسف شخصية سابقة لعصرها لا مثيل لها فى تقدميتها، وأيضا كان للبيئة الشعبية منطقة السد البرانى وزينهم والبغالة وميدان زين العابدين حتى نصل الى منزل قديم يطل على جنينة ياميش الذى نشأ فيه يوسف السباعى.
وكان الاطلاع على ما تحتويه مكتبة والده ذخيرة لغوية وكنوز أدبية كان لها أكبر الأثر فى حياته وخاصة صحف ومجلات البلاغ والبيان والسياسة وأيضا المجلات الثقافية.
ويقول يوسف السباعى: من أدرى بنفسى منى، إنى ما زلت كما كانت نفس الصبى الذى كان يعدو ويقفز فى فناء المدرسة، إنى ما زلت أشعر أننى طفلا لولا أنى أجد من حولى يحترموننى ويبجلوننى ويحيطوننى بحالة من التقدير تجعلنى أجاريهم بين الحين والآخر وأعود من جديد إلى طفولتى.
وحصل السباعي على البكالوريا من مدرسة شبرا الثانوية ومنها التحق بالكلية الحربية لكن لازمته هواية كتابة الأدب فكانت أول قصة كتبها ضمن مجموعة قصصية "فوق الأنواء" عام 1946، وتلاها قصى "تبت يدا أبي لهب وتب" وتوالى نشر القصص والروايات فى المجلات الثقافية والأدبية مثل مجلتى والجريدة الجديدة.
وتولى عام 1953 رئاسة تحرير مجلة الرسالة الجديدة وكان قد أغلق صفحته العسكرية بعد قيام الثورة واتجه إلى الأدب والصحافة، وتولى رئاسة تحرير مجلة آخر ساعة 1965 ثم رئيسا لمجلس ادارة دار الهلال. وفى عام 1973 عين وزيرا للثقافة ومنها إلى رئاسة مؤسسة الأهرام 1976، وانتخب نقيبا للصحفيين عام 1977 فى منافسة شريفة مع صديقه الدكتور يوسف إدريس.
وقدم السباعى خمسين عملا أدبيا ما بين رواية وقصة ومسرحية تحول معظمها إلى أعمال سينمائية ومسرحية وكانت أول رواية نشرت له بعنوان نائب عزرائيل وجاءت بعدها روايات أرض النفاق، رد قلبى، إنى راحلة، بين الأطلال، نحن لا نزرع الشوك، السقا مات، شارع الحب، وادى الذكريات، العمر لحظة، حبيبى دائما ومسرحية أم رتيبة وغيرها. ولكتاباته العاطفية والرومانسية المتعددة لقب بفارس الرومانسية.
وفى عام 1978 وبحكم منصبه كوزير للثقافة سافر الى حضور مؤتمر آسيوى آفريقى لبحث قضايا الفلسطينيين فى نيقوسيا العاصمة القبرصية على رأس وفد مصرى، وبينما كان متجها الى قاعة المؤتمرات بالفندق فاجأه شابان قيل إنهما فلسطينيان بإطلاق ثلاث رصاصات عليه اردته قتيلا وتم اختطاف 30 من الرهائن المصريين.
وأرسل الرئيس السادات قوات خاصة فى طائرة خاصة للقبض عن منفذى الحادث والإفراج عن الرهائن، وتم تخليص الرهائن لكن قامت السلطات فى قبرص بتهريب المتهمان بقتل السباعى.
جاء حادث الاغتيال بسبب دعم السباعى للرئيس السادات فى مجهودات السلام مع إسرائيل وسفره معه الى القدس.
يوسف السباعى يكتب: ليسوا من أبناء مصر
وعن السفر والغربة يقول يوسف السباعي: كلما حلقت بى الطائرة أو شقت بى غياب أليم باخرة أشعر أنى أقترب من عدالة السماء وابتعد أكثر عن شوائب الأرض، فلا مجلس فنون ولا مؤتمر آسيوى ولا يوميات ولا كتابة قصص ولا غيره، ولا بغض ولا غدر ولا حسد ولا ضغائن ولا سخافات آدمية بل خروج عن سلطان الأذى والتعب والضيق والالم ورقى بالشعور عن كل شعور.