القلب يتحدى كورونا
الكتابة مسؤولية بقدر متعتها.. تجربة مرهقة تدفعك للمشاركة في ماراثون تطارد خلاله الحروف وتنتقي الكلمات لإيصال المعاني، مع الحرص على عدم إهدار حبر القلم أو وقت القارئ المحترم بلا طائل.. هي معضلة تتراوح في أبعادها بين تجنب الوقوع في التكرار الممل لعقاب "سيزيف" مع الاقتراب من حرص "بروميثيوس" على مصلحة الناس.
اقرأ أيضا : من أجل "شهيد الشهامة" القادم
تزداد المعاناة في اختيار الكلمات كلما أخذك الحديث إلى جسر وجب التأمل قليلًا قبل عبوره.. وبعض الجسور من صنع خيالنا مثلما حددنا الرابع عشر من فبراير يومًا للاحتفال بالحب الذي يفترض أن يظل بصحبتنا طوال العام.. ولكن رغم كونها جسورًا وهمية إلا أننا نظل في حاجة إلى التذكير.. وربما أيضًا في حاجة إلى صناعة مناسبات قد تكون طريقنا إلى السعادة والتعبير عن مشاعرنا.
تتغير طرق التعبير عن الحب حسب ظروف العصر، ومنذ معلقات الجاهلية حتى رسائل الموبايل ألف وخمسمائة عام قضاهم العشاق في بناء القصص الغرامية التي حاولوا خلالها وضع تفسيرات للحب ليقوم الشعراء بإعادة صياغتها مثلما كتب "نزار قباني" (الحبُ في الأرض بعض من تخيلنا.. لو لم نجده عليها لاخترعناهُ) وقبلها وصف "المتنبي" أعراضه (الحب ما مَنَعَ الكلام الألسُنا.. وأَلذُّ شَكوى عاشقٍ ما أَعلَنا).
اقرأ أيضا: متى تتوقف الشائعات؟ (1)
ورغم أن للحب وجوها كثيرة.. نراه واضحًا في علاقة الأب والأم تجاه أطفالهما أو الإخوة ببعضهم.. حيث لا تقتصر مشاعره على حب العشاق فحسب إلا أن جميع الأشكال الثقافة والفنية تغنت باللون الأخير وسجلته الروايات والأساطير حتى أصبح مقيدًا بداخلها بالسلاسل لا يخرج إلى الواقع ليعيش بين الناس مكتفيًا بالتعبير الأدبي عنه.
وقد وضع ابن حزم الأندلسي في كتابه (طوق الحمامة) تعريفًا لماهية الحب بأن أوله هزل وآخره جد.. لا يمكن أن توصف معانيه لجلالتها ولكنها تُدرك بالمعاناة.. كما أنه ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة إذ القلوب بيد الله عز وجل.
اقرأ أيضا: متى تتوقف الشائعات؟ (2)
ومن الحب في زمن الأندلس إلى الحب في زمن الكورونا.. مر كل شيء.. وسيمر أي شيء ويبقى الحب، مثلما مرت في الأنهار مياه كثيرة رسمت بأمواجها قصص حب بسيطة.. أبطالها من أبناء جيل التسعينيات، آخر الشهود على زمن خطابات الحب المكتوبة قبل غزوات التابلت والموبايل، حينها لم تكن التكنولوجيا قد بدأت في الانتشار لتجفف منابع الخيال وتجعل الحب يفقد بريقه.
حملت خطابات أبناء التسعينايت نفس سمات الفترة التي كانت بها شوارعنا أكثر هدوءًا.. ووتيرة حياتنا أقل سرعة.. ومشاعرنا لا تزال نقية.. لذا جاءت خطاباتنا بريئة في أهدافها.. يكتبها المراهق لبنت الجيران أو زميلة المدرسة ليملأها بكل ما يسمح به خياله من عبارات الحب أو كلمات الأغاني.
اقرأ أيضا: إني أتنفس تحت الماء
لم يكن صخب التكنولوجيا قد انتصر في وقت كانت تحتل أسطح منازلنا خزانات المياه وليس أطباق الدش.. وحمل الناس اهتمامًا صادقًا ببعضهم بدلًا من حمل هواتفهم المحمولة.
قصص حب المراهقة ولحظات كتابة الخطابات، والتفكير في كيفية إرسالها، والقلق في انتظار الرد، والخوف من كشف أسرار الحب.. بسيطة في رونقها.. رائقة في معانيها.. نسمة هواء لا يمكن أن تُزعجك.
اقرأ أيضا: المواقع الاجتماعية في دعم خطط التنمية
خطابات الحب التي أرسلناها في مراهقتنا ملأناها بمشاعرنا لتصبح أول قصة حب أعطيناها مشاعرنا وأخذت اهتمامنا.. ربما لا يمكن أن نقارنها بجنونية "قيس وليلى"، أو نضاهيها بشاعرية "جميل وبثينة" ولكنها تظل قادرة على رسم الابتسامة في وجوه أبطالها الذين يدركون أنه على الرغم من مرور السنوات وتراكم الهموم لا يزال في القلب أجزاء قادرة على النبض.