الأوصال الممزقة
موقف يدعو للحزن كتبه صديق على صفحته على موقع التواصل "فيس بوك"، يروى فيه مأساة يمر بها قطاع عريض من الأسر المصرية، ويصف في هذا المشهد ما يمزق القلوب ألما.
يقول منشور الصديق الذى رجح أن يكون لأب وأم منفصلين وبينهما طفلتهما: «في مشهد نهاري على كوبري الخشب في الجيزة، الأب واقف أعلى الكوبري، والأم واقفة تحت بتبكي فعلا وبتودع طفلتها تقريبا بعد زيارة لها، الطفلة طالعة السلم رجل بتطلع والتانية بتنزل، وبتبص لوالدتها وعيونها كلها أسى وحزن، والأب واقف بيتابع البنت في نظرة شفقة».
اقرأ ايضا: ماراثون حشو الأدمغة
ويكمل المنشور: «ليه كل ده، في الوقت الحالي قرار الطلاق بقى سهل، بدون تريث وتفكير، الكل بيشجع عليه باعتباره استقلال وحرية، بس مش من أقل مشكلة يكون القرار النهائي، لو مكنش عشان خاطر الأهل اللي بيشوفوا الذل عشان بالبلدي كده يستروا ولادهم وبناتهم، يبقى عشان خاطر الأطفال اللي مالهمش ذنب وبيضيعوا بسبب أم وأب مش قد المسؤولية، ومشيوا ورا كلام ناس شجعوهم لحد ما خربوا بيوتهم، وفي الآخر كل واحد شجع على كده، مش هاتلاقيه غير بيقولك (وأنا مالي يا عم)».
ربما يرجع السبب الرئيسى فى ارتفاع نسب الطلاق، إلى عدم تفهم كل طرف احتياجات الآخر، وبالتالى تزايد الفجوة النفسية، فالزوج منشغل بجلب متطلبات الحياة، والزوجة منشغلة بشئون المنزل، ما يجعل مساحات الحوار تتقلص، فتتباعد الاجساد، وتصمت الألسنة، ثم يضيع الصغار فى المنتصف.
أيضا كثرة الإنصات إلى نصائح الأهل فيما يخص أدق شئون الأسرة، وخاصة العلاقة الخاصة، فضلا عن الانتقادات المستمرة، والإساءة اللفظية والعنف الجسدي، والتجاهل المتعمد، واختلاق المشكلات، ومحاولة العزل عن محيط الأسرة والأصدقاء، وتوجيه الاتهامات الباطلة، كل هذا يجعل علاقة الزواج مستحيلة.
اقرأ ايضا: لحظة من فضلك!
يتمزق وجدان الصغار، عقب قرار الطلاق، ما بين حب الأب أو الأم، ويسعى كل طرف إلى جذبهم إليه على حساب الآخر، من خلال إعمال ماكينة الشحن النفسي، وزرع الكراهية، بلا رحمة، طمعا فى اقتناصهم له وحده، ضد طرف الإنفصال الآخر.
ويخرب تدخل الآخرين فى الحياة، بالإنصات لهم، العلاقات الزوجية أكثر مما يفيد، فهذه تستمع إلى صديقتها التى تحرضها على تعميق الخلافات، وهذا يستمع إلى صديقه الذى يحرضه أيضا، ويندفع الزوجان بلا وعى إلى السقوط فى بئر الغل والكراهية، نتيجة عدم تفهم الآخرين طبيعة المشكلة، وبالتالى يعطون آراء خاطئة، تؤدى إلى تفكك أسرة وضياع أطفال.
لا ننكر أن هناك أمورا تؤدى إلى استحالة العشرة بين الطرفين، خاصة إذا تنصل رب الأسرة من التزاماته، ففي أغلب الحالات يتنصل الزوج من مسئوليته فى الإنفاق على أولاده ومراحل تعليمهم وكسوتهم، ويؤدى هذا بالأم إلى البحث عن مورد رزق لتلبية مطالب أبنائها وتعليمهم، ويرتكن الأب المنفصل إلى هذا، وقد يبحث عن زوجة وحياة أخرى ويترك أولاده يواجهون قسوة الظروف، ونقول لكل أب (متنطع): «لا يعنى الانفصال أنك طلقت أولادك، بل ملزم بالانفاق عليهم حسب الشرع والقانون رغم أنفك».
رفقا بزهور صغيرة، شاءت إرادة الله أن تأتى للحياة من خلالكما، فإذا استحالت العشرة وأبيتم إلا الطلاق، فلا تكرهوا ولا تشاحنوا ولا تباغضوا، حتى لو كان بينكما (ما صنع الحداد)، فلن يحصد الصغار إلا تمزق الأوصال، والتشرذم النفسي، وتشتت المحبة، فقط لحظة تفكير قبل اتخاذ القرار النهائي، فإذا عزمتم فحافظوا على الاحترام المتبادل، من أجل أطفالكم.