هل يجوز الجمع بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد؟
مع اقتراب موسم الحج تكثر الأسئلة التى تتعلق بأداء الفريضة والمناسك من قبل ضيوف الرحمن، ومن الأسئلة التى ترد في هذا الشأن هو "هل يجوز الجمع بين طوافي الإفاضة والواداع في طواف واحد"؟.
ومن جابنها أوضحت دار الإفتاء أنه من المقرر شرعًا أن المشقة تجلب التيسير، ولَمَّا كان الحج من العبادات البدنية التي تشتمل على مشقة كبيرة فقد جعل الشرع مبنى أمره على التخفيف والتيسير، وقد أصَّل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قاعدة ذلك؛ كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما سُئِلَ عن شيءٍ من أعمال يوم النحر قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إلا قال: "افْعَلْ وَلا حَرَجَ" متفق عليه.
وأشارت الدار إلى أن مناسك الحج على قسمين: فمنها أمور أجمع عليها المسلمون لا يجوز الخروج عنها، ومنها مسائل اختلف فيها الأئمة الفقهاء.
وأضافت الدار أن الجمع بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد بنيتين هو من المسائل التي اختلف فيها العلماء؛ فالجمهور على أن طواف الوداع واجب، وقال المالكية وداود وابن المنذر وهو قولٌ للشافعي وقول للإمام أحمد رضي الله عنهما: إنه سنة؛ لأنه خُفِّفَ عن الحائض.
وأوضحت أنه قد أجاز المالكية والحنابلة الجمعَ بين طوافي الإفاضة والوداع في طواف واحد؛ بناءً على أن المقصود هو أن يكون آخرُ عهدِ الحاج هو الطواف بالبيت الحرام، وهذا حاصل بطواف الإفاضة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أُمِرَ الناسُ أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض" متفق عليه.
وتابعت: قال العلامة الدردير في "الشرح الكبير": "وتَأَدَّى" الوداعُ بالإفاضة وبطواف العمرة أي سقط طلبه بهما، ويحصل له ثواب طواف الوداع إن نواه بهما، وقال الإمام ابن قدامة في "المغني": فيه روايتان: إحداهما: يجزئه عن طواف الوداع؛ لأنه أُمِرَ أن يكون آخر عهدِه بالبيت، وقد فعل؛ ولأن ما شُرِعَ لتحية المسجد أجزأ عنه الواجب من جنسه؛ كتحية المسجد بركعتين تجزئ عنهما المكتوبة.
وأكدت الدار أنه حينئذٍ فلا مانع شرعًا من الأخذ بقول المالكية ومن وافقهم في استحباب طواف الوداع وعدم وجوبه، وكذلك القول بإجزاء طواف الإفاضة عن الوداع عندهم وعند الحنابلة، حتى ولو سعى الحاج بعده؛ لأن السعي لا يقطع التوديع؛ لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في "الصحيحين" وغيرهما قالت: خرجنا مُهِلِّينَ بالحج في أشهر الحج.. حتى نفرنا مِن مِنًى ونزلنا الْمُحَصَّبَ، فدعا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عبدَ الرحمن أخي فقال: «اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا». زاد مسلم في روايته: قالت: فخرجنا فأهلَلْتُ، ثم طُفْتُ بالبيت وبالصفا والمروة، فجئنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "فَرَغْتُمَا؟" قلت: نعم. فنادى بالرحيل في أصحابه، فارتحل الناس.
وعليه: فإن تأخير طواف الإفاضة إلى آخر مكث الحاج بمكة ليُغنِيَ عن طواف الوداع جائزٌ شرعًا، ولا يضر ذلك أداءُ السعي بعده.