قطعة من القلب
استضافت إحدى الفضائيات أمس الأب الشجاع، الشهير إعلاميا بـلقب "سوبر بابا" مصطحبا طفلته، وهو الذى تمكن من إنقاذ إبنة الأحد عشر عاما بأن صنع لها من جسده درعا بشريا يحميها، عقب سقوطها من رصيف القطار أسفل عجلاته، وشاءت إرادة الله لهما النجاة سويا متعانقين، بدلا من أن تلتهمهما تلك العجلات الحديدية بلا هوادة.
مشهد أثار الرعب وتوقفت أنفاس كل من شاهده عبر الإنترنت، وأثار أيضا حالة من الشجن والمشاعر الجياشة تجاه أسمي علاقة بشرية، علاقة الأب بابنته.
قالت الطفلة خديجة بطلة واقعة القطار: "كنت بفكر فى لحظة ما كان بابا مخبينى جواه من عجلات القطار، فى سلالم العربات، أن يصطدم بها جسم بابا، كنت خايفة عليه قوى زى ما هو كان خايف عليا، أنا مش عايزة حاجة من الدنيا غير إنه يفضل جنبي"
اقرأ أيضا:أسير المعروف
بصرف النظر عن ملابسات الواقعة وروايات الأب وشهود العيان، والبيانات الحكومية بشأنها، كون الأب مخطئ من عدمه، وهو ما تداولته وسائل إعلام ونفاه الأب، إلا أن هذا المشهد "المهيب" الذى لا أعتقد ان تنساه تلك الزهرة الصغيرة أبدا، يجعلنا أمام حالة خاصة من الحب الخالص المجرد من أى هوى أو غرض.
نعم هى فتاته الصغيرة وهو فارس أحلامها وبطل قصتها الأول، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حين قال في ابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها: "قطعة منيّ يريبني ما يريبها، ويؤذيني مايؤذيها".
قطعة من الجسد خرجت إلى النور، تمشي على الأرض، تتمنى الروح لو تصنع حولها فى كل وقت وحين، درعا حانيا فى غير قسوة، يحيطها ويحميها، ويدفع عنها أى شرور أو ابتلاءات.
علاقة خالدة قدم الوجود، لا تنفك مهما بلغ العمر أمده، ومهما باعدت بين طرفيها الأيام، أصفها كأب، وجد قطعة من قلبه تتهادى أمامه، قطعة من رحمات السماء ورفقها به، كى ترقق قلبه، وتلين مشاعره، وتغير حاله من القسوة إلى الحلم، ومن الشدة إلي الرفق، ومن الكراهية إلى الحب.
أحبك يا ابنتى، مهما طال العمر ومهما قست الأيام، ومهما تباعدت المسافات، مهما اشتدت الكروب، أحبك يا أميرتى المدللة، يا من بوجودك رأيت العالم واحة خضراء مزهرة.