أسير المعروف
حكى لى صديق المقهى عن الموقف السخيف الذى مر به وعلّمه ألا يصدر أحكاما على أى شخص إلا بعد معاملته ثم الحكم عليه من منطلق ذلك. ارتشف قهوته وهو يخبرنى بصديقة زوجته التى كان قد طلب منها ـــ أى زوجته ـــ إبان بدايات خطبتهما أن تقطع علاقتها بها، لا لشيء سوى أنه لا يرتاح إليها كما يقول (لله فى لله)، رغم علمه بمدى الصداقة بين خطيبته وصديقتها.
وتمر الأيام وتمضي السنون، وتتعرض زوجته لحادث سير أدى لدخولها المستشفى فى حالة طوارئ عاجلة، كان متخبطًا لا يدرى كيفية التصرف، ولا يعبأ به أحد من طاقم المستشفى الكبير، إلى أن وجد بعد مرور الوقت وانفلات الأعصاب، أحد أعضاء طاقم التمريض يخبره بأن الطبيبة المناوبة قامت بعمل اللازم ولها الفضل الكبير بعد الله، وتم إنقاذ زوجته واستقرت حالتها الصحية.
اقرأ أيضا: خطأ طبي معلش!
رفع كفيه إلى السماء مهللا شاكرا ربه، وطلب من إحدى الممرضات أن تخبره بمكان وجود المناوبة لشكرها على صنيعها الذي ساهم فى إنقاذ أسرته وطفليه، ودلفت الممرضة إلى غرفة الطبيبة تخبرها بأن زوج المصابة يريد شكرها على معروفها.
طرق الباب ونادته الطبيبة: "أستاذ محمود تفضل، حمدا لله على سلامة سناء، الحمد لله أنها بخير ربنا كرمها، ورعتها عنايته، أنا فرحانة انها بخير ربنا يخليها ليك ولأولادها، وبعدين لا تشكرنى على شيء فقد أديت واجبى فقط".
اقرأ أيضا: القاتل المنسي
يكمل الصديق مع رشفة من القهوة: "شعرت يا صديقي بأن ملابسي ابتلت من الأسفل من فرط الخجل، فهذه الطبيبة هى ذاتها صديقة زوجتى التى حرمتها منها منذ عشرة أعوام، للا شيء سوى أننى أردت أن أثبت سيطرتى عليها فى بدايات فترة الخطوبة، فأصدرت تعليماتى العنترية بمقاطعة خمس صديقات لها بقرار واحد، لمجرد عدم ارتياحى لهن، بلا أى أسباب جوهرية، مع ثلة تعليمات أخرى غبية، بمقاطعة أبناء عمومتها وأبناء أخوالها وأبناء خالاتها الرجال..
مع فرمان آخر بتصفية حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعى، من كل أقاربها وزملائها وأساتذتها الرجال، كى أمعن فى سيطرتى وقياس درجة إستجابتها وطاعتها لى، وما كنت أدرى وقتها أنه نقص فى تكوين شخصيتى وضعف وعدم ثقة فى نفسي، أردت إكماله بتلك السيطرة البلهاء.
اقرأ أيضا: المتنمرون
ويختم وهو يودعنى مغادرا: علمنى موقف صديقة زوجتى ألا أحكم أبدا على الأشخاص من الظاهر أو بمجرد السماع الخاطئ من آخرين، علمنى أن الدنيا صغيرة وتافهة للغاية، وربما يأتيك الخير ممن كنت تظنه ظلما منك، شرًا مستطيرا، فقد أخضعتنى الطبيبة بروعة معروفها، وكرهت سوء ظنى السابق بها، وتمنيت لو انشقت الأرض وابتلعتنى، وددت لو قبلت قدميها فقد أدت ما عليها بضمير حى وأنقذت طفليى من احتمال اليتم بعد فضل الله.
لا أعرف يا صديقي أن ندوب الحياة، تترك أثرا غائرا يعلمنا الحاجة فيما بعد لإخلاص النوايا وحسن الظن، واللين فى غير تهاون، علمتنى تلك الندبة أن "رجولتى المزعومة" انهارت أمام صنيع معروف، ولمسة أمان من صديقة إلي صديقة عمرها، وأدركت متاخرًا أن الرجولة لا تصنع بالأوامر الحمقاء وإنما بمودة ونقاش وتفاهم وحوار، فلا ندرى يا صديقي من يكون غدا أسيرا معروفا من.