أطباء غير متخصصين للصحافة!
أمس شاركت فى ندوة بالمقهى الثقافى لمعرض الكتاب لمناقشة كتاب الحالة المصرية عام ١٩١٩، الذي أصدره منتدى أخبار اليوم، شارك فيه نحو أربعين خبيرا ووزيرا حاليا وسابقا وأستاذ جامعة وكاتبا، وأشرف عليه الدكتور طه عبدالعليم مدير المنتدى.
وتحدثت عن الأزمة التى تعانى منها صحافتنا، سواء القومية أو الخاصة أو الحزبية، العلاج الذي تحتاج إليه الصحافة لتبرأ من أزمتها، وقلت لأن هذه الأزمة ثلاثية الأبعاد.. مهنية وإدارية ومالية، فهى تحتاج لجراحة عاجلة فورا حتى لا نشيع صحافتنا الورقية المريضة إلى مثواها الأخير.
اقرأ أيضا:
وغنى عن القول إن تلك الجراحة تحتاج لجراحين ماهرين أكفاء يثق في قدراتهم، وخطة علاج مدروسة تتعامل مع الوجوه الثلاثة للأزمة، وهى الوجوه المهنية والإدارية والمالية.. وقبل ذلك مناخ صحى تعيش فيه هذه الصحافة، ويتحقق ذلك بمساحة مناسبة من حرية الرأي والتعبير والإبداع، ونبذا لسياسة التوجيه والتلقين الوارد من خارج بلاط صاحبة الجلالة.
وما قلته رغم أنني أكرره كثيرا مؤخرًا في مناسبات عديدة، وكتبته منذ سنوات فى دراسة لآخر مؤتمر للصحفيين نظمته نقابة الصحفيين، وتناولته فى مقالاتى فى هذا المكان مرارا كلما اشتدت الآلام أزمة الصحافة، إلا أنه يكشف بوضوح لماذا أثار الاجتماع الذى عقد فى مجلس الوزراء وتناول أزمة الصحافة القومية بمناسبة طلب دعم مالى إضافى من الحكومة لصرف حوافز العاملين السنوية بالمؤسسات الصحفية والتى تسمى بالأرباح، رغم أن مؤسساتها تحقق خسائر، وتعانى كما قيل فى الاجتماع فجوة تمويلية تقترب من المليار جنيه سنويا، ثلثها لمؤسسة واحدة.. فهذا الاجتماع اتسم للأسف الشديد بندرة الأطباء المتخصصين لعلاج أزمة الصحافة.. فإن صاحب الدعوة للاجتماع وهو الدكتور مصطفى مدبولي ليس متخصصا فى الصحافة، سواء القومية أو غير القومية، وإنما هو متخصص فى أمور البناء، والزميل أسامة هيكل وزير الدولة للإعلام لا خبرة له مباشرة بالصحافة القومية، لأن عمله كان فى الصحافة الحزبية، ومعظم الزملاء رؤساء مجالس الإدارة والتحرير الذين حضروا الاجتماع هم أطراف الآن بحكم مواقعهم فى هذه الأزمة.
وهكذا اجتمع على المائدة فى الأغلب أطباء غير متخصصين لعلاج الصحافة القومية من أمراضها .. ولذلك جاءت اقتراحاتهم فى نهاية المطاف متماهية فقط مع رغبة وزير المالية الرامية للتخلص من الدعم المالى الذى يقدمه شهريا للمؤسسات الصحفية القومية، وهو الدعم الذي تزايد كثيرا وتضخم فى العقد الأخير، دون النظر لمصالح العديد من العاملين المؤقتين فى هده المؤسسات، وحاجة هذه المؤسسات للمزج ما بين قدرات الشباب وخبرة الكبار .. أما حل تلك الأزمة الحادة التى تمسك لصحافتنا القومية وتكاد تزهق روحها فلم يتناولها أحد.
للجميع وبمن فيهم رئيس الحكومة ووزير الدولة للإعلام ووزير المالية أقول: لا علاج لأزمة الصحافة سوى بأن تعطوا العيش لخبازه، أى بإعادة الاعتبار للمهنية والكفاءة مع مساحة مناسبة من الحرية.. وجربوا ذلك سوف تتخففون من الأعباء المالية التى تتحملونها فى دعم المؤسسات الصحفية القومية، والأهم سوف تحصلون على التأثير الذى تشكون من عدم وجوده لهذه الصحافة.