البطل "فؤاد نصر" شهيد لا يعرفه أحد!
يأتى شهر يناير محملا بالأحداث التاريخية، بعض الشباب أو غير المهتمين بالتاريخ يقولون إن شهر يناير بدأ يدخل حيز الاهتمام بعد 25 يناير الثورة التى عبر عنها خروج الملايين بنقاء وحسن النية من أجل التغيير، ولكنها لم تكن هكذا بالنسبة لقلة عملت من أجل مصالح شخصية محدودة أو لمصالح الصهيونية العالمية.
ملاحظة غريبة ولا أعرف مدى صحتها، دائما اليسار المصرى بكل تنوعاته يتذكر ويذكر الناس بالأحداث المضيئة فى تاريخنا، بعكس أصحاب الاتجاه الرأسمالى لا يذكر إلا ما يستخف بتاريخنا، هل هذا مرتبط بمدى الانتماء لتراب الوطن من عدمه؟ فمثلا إذا ذكر حرب فلسطين وهزيمة العرب لا يذكر هؤلاء أصحاب الرؤية الرأسمالية أن هناك بطولات من أبناء العرب عامة وأبناء مصر خاصة ومنهم شهداء كبار يذكرهم التاريخ مثل البطل أحمد عبدالعزيز..
لا يذكر هؤلاء بطولات عديدة لأبناء الجيش المصرى المحدود التسليح والذى كان يطلق عليه جيش المحمل، ويقصد بالمحمل موكب كسوة الكعبة المشرفة الذى كان يخرج من مصر كل عام، المشكلة أن أهل اليمين المصرى يعتقدون أن التاريخ شخص، ولكن الحقيقة أن أى بطولة لمصرى فهى محسوبة للوطن الذى أنجبه وعلمه وخلق منه بطلا..
اقرأ أيضا: حكاية "الطفل تيدى" مع المعلمة!
وهنا أذكر كلمات مهمة للواء إبراهيم الدخاخنى الذى خاض حروب 67 والاستنزاف وأكتوبر قال: البطولة فى وقت الهزيمة أكبر وأهم كثيرا من البطولة وقت الانتصار، لأن وقت الانتصار الجيش كله بطل ولكن أثناء الهزيمة البطولة محصورة على ناس كانت تزود عن بلدها بقوة أضعاف قوتها الحقيقية!
والحقيقة أن اليمين المصرى دائما يصلى وقبلته للغرب ويتغنى بكل ما فيه أحيانا بمبالغة شديدة وأحيانا بجهل ونادرا بالعقل وحقيقى ما يقولونه، ارجعوا لكتاباتهم وكتابهم لن تجد منهم أحدا يذكر أحمد عرابى أو مصطفى كامل أو محمد فريد، اما سعد زغلول لأنه مسمار جحا للتعلق فى تاريخ مصرى الوطنى، حتى رفاقه لا يذكرونه مثل عبدالرحمن فهمى الذى كان عقل ثورة 19 إلا قليل، عموما من يعتقد عرابى.. وحتى ناصر فجميعهم مصريون وكافحوا من أجل مصر ولهم وعليهم حسب اجتهاد كل منهم .
وبعودة إلى أحداث يناير، فقد اكتشفت أحد البطولات التى ربما لا يعرفها إلا النادر منا، وهو الشهيد اليوزباشى فؤاد نصر من مدينة ببا بمحافظة بنى سويف التحق بالكلية الحربية وأصبح برتبة يوزباشى، وعندما فتح باب التطوع للحرب فى فلسطين كان على العسكريين التنازل عن رتبهم العسكرية ومرتباتهم ولا يعودوا مرة أخرى للخدمة بالجيش، تنازل فؤاد عن كل شىء من أجل التطوع للقتال فى فلسطين عام 1948
خاض البطل فؤاد نصر معارك كثيرة وحقق انتصارات عديدة وفى معركة مستعمرة “بيرون إسحاق” فى البداية عجزوا عن اقتحام المستعمرة، وكان الحل فى ظاهرة بطولية الأولى من نوعها فى حرب ٤٨، اقتحم بمفرده المستعمرة وحطم سبع منافذ ضرب نار للعدو، ومهد الطريق لزملائه، وأثناء احتفاله بالنصر استقر شريط من الرصاص فى صدره، واستشهد البطل وتحفظ العدو على جثمانه.
وبعد إعلان الهدنة تبادلت مصر وإسرائيل الأسرى وجثامين الشهداء، وعند تسليم جثمان البطل فؤاد قال عنه قائد إسرائيلى: لقد حاربت فى حربين ولم أر ضابطا أو جنديا أشجع من هذا المحارب.
وأثناء إعداد جثمانه للتكريم وجدوا فى جيبه خطابا بخط يده يقول: إنى لسعيد بأن أصبح شهيدا أما المال الذى يوجد معى فى جيبى وساعتى فهو للشخص الذى شاركنى الشدائد فى الميدان، والذى اصطحبته معى إلى قلب المعركة الجندى الذى يسهر على خدمتى فى الحرب..
اقرأ أيضا : تخاريف شاب فى الستين!
وكان الشهيد قبل تطوعه أوقف منزله للكنيسة ليكون مدرسة تتعلم فيها الفتيات ، إذا ما نال الشهادة أثناء الحرب، وبعد استشهاده تحول المنزل إلى مدرسة سميت باسمه.
شكرا للاستاذ ابرام راجى الذى كتب هذه القصة النبيلة والمشرقة لأبناء مصر الأبطال .
وقصة أخرى من يناير المجيد، معركة شدوان، وشدوان هى جزيرة مصرية مساحتها 70 كيلومتر مربع تتحكم في مدخل خليج السويس، وعندما احتلت إسرائيل سيناء في نكسة سنة 1967 دارت رحى حرب الاستنزاف التي استمرت من 1967 إلى يوليو 1970، وكانت معركة شدوان التي وقعت أحداثها في يناير واحدة من أهم معارك حرب الاستنزاف.
كانت إسرائيل تدرك الأهمية الاستراتيجية لهذه الجزيرة؛ فخططت للاستيلاء عليها، خصوصًا وأن القوات المصرية المرابطة فيها كان عددها قليلًا لا يزيد عن سرية صاعقة واحدة (حوالي مئتين أو ثلاثمئة جندي فقط)، وقامت بعمل ماكيت للجزيرة ودربت قواتها على هذه العملية في منطقة شرم الشيخ.
وفي فجر يوم 22 يناير 1970 قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف الجزيرة بعنف، وفي الوقت نفسه وتحت غطاء القصف الجوي تقدمت المروحيات الإسرائيلية تحمل كتيبة كوماندوز (الكتيبة حوالي أربع سرايا تضم رحوالي 1200جندي)، وقامت بإنزالهم في شمال شرق الجزيرة، وبدأوا يتقدمون داخل الجزيرة تحت غطاء القصف الجوي والبحري المركز، وفي الصباح أعلنت إسرائيل عن احتلالها للجزيرة، وان قواتها لم تجد مقاومة تذكر من القوات المصرية.
ولكن السرية المصرية استماتت في الدفاع عن الجزيرة، ودافعوا عن مواقعهم دفاع الأبطال، ولم يسقط أي موقع إلا بعد نفاد ذخيرته، ودام القتال طوال النهار، واضطرت إسرائيل إلى الاعتراف بعنف المقاومة المصرية، وأخذت طائراتها تقصف بعنف مواقع القوات المصرية ودمرت الزوراق العسكرية المصرية التي كانت تمد الجزيرة بالسلاح..
اقرأ ايضا : غزل المحلة من انفتاح "السادات" إلى خصخصة "مبارك"!
وأقبل الليل وقد أوشكت ذخيرة القوات المصرية على النفاد، وكادت الجزيرة أن تسقط بالفعل، ولكن اللواء سعد الدين الشاذلي قائد قطاع البحر الأحمر وقتها استعان بالصيادين من أهالي الغردقة، وقاموا بنقل الذخيرة إلى الجزيرة ليلًا، ودام القتال لمدة 36 ساعة فقد الإسرائيليون خلالها نحو خمسين قتيلا، فأصابهم اليأس، واضطروا إلى الانسحاب من الجزيرة خائبين! شكرا للدكتور عماد هلال شمس الدين الذى ذكرنا بهذه البطولة، والذى لم يذكره انه دارت هناك حربا بالسلاح الابيض اظهر فيها الجندى المصرى شجاعة نادرة!
وفى يناير 77 كانت اضخم مظاهرات ضد رفع الاسعار وتراجع السادات، فى الوقت الذى اعتبرها الشعب والعالم انتفاضة شعبية، اعتبرها انور السادات انتفاضة حرامية.
ومن احداث يناير اليوم العظيم فى 1952 وبطولة الشرطة المصرية فى مواجهة المحتل الانجليزى، بطولة سأعود اليها بتفاصي اكثر ان شاء الله، ولكن هنا اذكر مقولة لاحد الضباط الانجليز الذى كان ضمن الذين حاصروا الشرطة المصرية قال: عندما واجهنا الارهابين كان لابد من الاستسلام او نقتلهم!
تخيلوا المحتل يقول عن ابن البلد ارهابى نفس المفردات التى استخدمها الانجليز فى حصدهم ارواح الشباب فى ثورة 19 فى كل محافظات مصر، وهى نفس لغة الغرب والصهيونية تجاه العرب!
للحديث بقية.. وتحية لشهداء الوطن من شرطة وجيش ومدنيين.. تحيا مصر.