رئيس التحرير
عصام كامل

حكاية "الطفل تيدى" مع المعلمة!


كتبت أكثر من مرة عن تطوير أو إنقاذ التعليم، وكنت أشرت إلى نقطة في غاية الأهمية تعد هي الركيزة الأولى ليكون لدينا تعليم محترم وطني، يفرز المبدعين في كل المجالات سواء الفنون أو الإبداع في مجالات العلوم، وهذا ما طالب به عميد الأدب العربى منذ أكثر من ثمانين سنة، ويأخذ به العالم المتقدم، وهو أن يكون لدينا تعليم موحد لكافة المواطنين، لأن ما نراه في مصر ليس له شبيه في العالم، تعليم عام وتعليم أزهرى، ثم هناك تعليم ألمانى وإنجليزي وفرنساوى ويابانى.. إلخ.


مع العلم بأن هذا يمزق الشخصية الوطنية، هناك مدارس أجنبية يخرج الطالب لا علاقة له باللغة العربية أو بالدين، بل أن هناك مدرسة بالمعادى أثيرت حولها الكثير من علامات الاستفهام بسبب المنهج الذي يعظم الكيان الصهيونى وتقزم انتصار أكتوبر العظيم، والإشادة بعدوان الأمريكان على دول العالم..

إذن نؤكد أن أولى خطوات الإصلاح الحقيقى للتعليم هو تعليم موحد لكل الشعب بمجانية كاملة، وبهذه المناسبة كان وزير التعليم الحالى والذي يسبقه يضربون المثل بالتجربة الفنلندية، فهل يعلم أنه من شهر تم إلغاء جميع مناهج التعليم الأجنبية فيها وتوحيد جميع المناهج من منطلق المساواة ومجانا؟! أتمنى أن يكون هذا الخبر قد وصل للحكومة المصرية.

العنصر الثانى المهم هو الإنسان -المعلم- هو الاهم من كل التكنولوجيا، التقدم أساسه الإنسان وليس التكنولوجيا، أكثر من مرة كتبت هنا عن عبقرية استاذى "عبدالحميد شبل"، الذي علمنا الانتماء والوطنية والطموح في ابتدائى، اليوم أقدم نموذجين من العالم الذي تقدم فيه التعليم:

النموذج الأول: كانت المعلمة تتجنب دائما أن تقول لتلاميذها إن إجاباتهم خاطئة، فمثلا كانت تقول: إجابتك تقترب من الإجابة الصحيحة فمن يستطيع إعطاء إجابة أخرى؟! وعندما أجاب تلميذ إجابة بعيدة تماما عن الصحيحة، كانت هذه المعلمة لديها ردا عبقريا أذهلنى فقد قالت: هذه إجابة صحيحة لغير هذا السؤال!

النموذج الثانى: وقفت معلمة الصف الخامس ذات يوم وألقت تحيتها للتلاميذ وقالت: إنى أحبكم جميعا! واستثنت طفلا اسمه "تيدى"، ملابسه غير نظيفة، بل شديدة القذارة، مستواه الدراسى متدنٍ جدا، ومنطو على نفسه!

هذا الحكم القاسى كان بناء على ما لاحظته عليه، فهو لا يلعب مع الأطفال، ملابسه غير نظيفة، ودائما يحتاج إلى الحمام، كئيب، لدرجة أنها كانت تجد متعة في الكتابة بقلم أحمر وبخط عريض عبارة "راسب" في تصحيحها لأوراقه. في أحد الأيام طلبت إدارة المدرسة مراجعة السجلات الدراسية السابقة لكل تلميذ، وبينما تراجع ملف "تيدى" فوجئت بأن معلمة الصف الأول كتبت: "تيدى" طفل ذكى موهوب يؤدى بعناية وبطريقة منظمة!

وكتب معلم الصف الثانى: "تيدى" تلميذ نجيب ومحبوب لدى زملائه ولكنه منزعج من إصابة والدته بمرض السرطان! أما معلم الصف الثالث كتب: لقد كان وفاة أمه صعبة عليه، بذل أقصى ما يملك من جهود، لكن لم يعد مهتما بالحياة في منزله وسرعان ما ستؤثر عليه إن لم تتخذ بعض الإجراءات!

بينما كتب معلم الصف الرابع: "تيدي" تلميذ منطو على نفسه، لا يبدي الرغبة في الدراسة، وليس لديه أصدقاء، وينام أثناء الدرس.
هنا أدركت المعلمة "تومسون" المشكلة وشعرت بالخجل من نفسها! قد تأزم موقفها عندما أحضر التلاميذ هدايا عيد الميلاد لها ملفوفة بأشرطة جميلة، ما عدا التلميذ "تيدي" كانت هديته ملفوفة بكيس مأخوذ من أكياس البقالة، شعرت بالألم السيدة "تومسون" وهي تفتح هدية "تيدي" وضحك التلاميذ على هديته، وهي عقد مؤلف من ماسات ناقصة الأحجار وقارورة عطر ليس فيها إلا الربع!

ولكن كف التلاميذ عن الضحك عندما عبرت المعلمة عن إعجابها بجمال العقد والعطر وشكرته بحرارة، وارتدت العقد ووضعت شيئا من ذلك العطر على ملابسها. ويومها لم يذهب "تيدي" بعد الدراسة إلى منزله مباشرة، بل انتظر ليقابلها وقال: إن رائحتك اليوم مثل رائحة والدتي!

عندها انفجرت المعلمه بالبكاء لأن "تيدي" أحضر لها زجاجة العطر التي كانت والدته تستعملها، ووجد في معلمته رائحة أمه الراحلة!
منذ ذلك اليوم أعطت المعلمة اهتماما خاصا به، وبدأ عقله يستعيد نشاطه وبنهاية السنة أصبح "تيدي" أكثر التلاميذ تميزا في الفصل، ثم وجدت السيدة مذكرة عند بابها للتلميذ "تيدي" كتب بها إنها أفضل معلمة قابلها في حياته، فردت عليه أنت من علمني كيف أكون معلمة جيدة.

بعد عدة سنوات فوجئت هذه المعلمة بتلقيها دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة في ذلك العام موقعة باسم ابنك "تيدي"، فحضرت وهي ترتدي ذات العقد وتفوح منها رائحة ذات العطر...
هل تعلم من هو تيدي الآن؟
"تيدي ستودارد" هو أشهر طبيب بالعالم ومالك مركز (ستودارد لعلاج السرطان).

ترى.. كم طفل دمرته مدارسنا بسبب سوء التعامل؟ كم تلميذ حطمنا شخصيته بسبب انعدام رؤية المدرس أو لأنه ليس لدية القدرة لأنه لم يتم تأهيله أو لعدم توافر لديه أي عناصر التربوى الناجح.

ليست كيمياء أو عبقرية حل المشكلة، ولكن لا بد من تحديد عناصر التقدم، الإنسان أولا.. الإنسان هو الذي يحدث التقدم وليس العكس!
وتحيا مصر.
تحيا مصر بعرق ودماء أبنائها البسطاء الطيبين.
تحيا مصر بعزيمة الرجال الذين شربوا ماء النيل.. شبعوا من أشعة شمسها.
الجريدة الرسمية