كوارث الأمريكان في العراق
يقيني، أن كل الكوارث التي يعيشها "العراق" الآن سببها الأول والأخير "الولايات المتحدة الأمريكية" التي ارتكبت منذ اجتياح بغداد عام 2003، وحتى قتلها لـ"قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس" في الأسبوع الماضي، سلسلة من الأخطاء الكارثية، أدت إلى كل المآسي التي تعاني منها العراق في الوقت الحالي.
فالمتتبع الجيد للأحداث يستطيع أن يقرأ وبسهولة، أن "أمريكا" هي من سهلت لقواتها، وكل اللصوص المتعاونين معها، كل السبل لنهيب أموال وثروات العراق، عند اجتياحها منذ 17 عاما، كما وفرت لهم الحماية والحصانة القضائية والقانونية بموجب "مذكرة الحماية" المشبوهة رقم 3 لسنة 2003 التي خالفت بها كافة الأعراف والقوانين الدولية، وغطت بها على كافة جرائم تجريف ثروات العراق.. أي إنها باختصار من أضعفت البلاد "اقتصاديا".
كما أنها أيضا، من وضع ورسخ لنظام "المحاصصة" الطائفي، الذي سهل سيطرة "الطائفة الشيعية" على كل مقادير الحياة السياسية والاقتصادية في العراق، ومهد بالتبعية للتدخل الإيراني في البلاد، أي إنها أيضا من أضعف العراق "سياسيا". كما أن الولايات المتحدة الأمريكية وللأسف لم تدرك، أنها كانت السبب المباشر في ظهور قوات "الحشد الشعبي" التي تدين بالولاء لإيران، لأنها من قامت بحل "الجيش الوطني العراقي" بقرار من "بول بريمر" الحاكم العسكري الأمريكى بعد غزو بغداد.
اقرأ أيضا: "إيزادورا" تستغيث
وعندما غزت "داعش" المدن العراقية، لم يكن أمام العراقيين في ظل هشاشة وضعف "الجيش العراقي" الذي كونته الولايات المتحدة، سوى تكوين جيش شعبي لمواجهة "داعش" وهو ما حدث بالفعل بموجب "فتوى الجهاد الكفائي" التي أطلقها المرجع "الشيعي آية الله السيستاني" في عام 2015، وصارت "قوات الحشد" بعد شهور قليلة من تكوينها أقوى وأضخم بمراحل من قوات "الجيش الوطني العراقي".
ولم يكن أمام الحكومة العراقية أمام قوة وضخامة "قوات الحشد" والإنجازات التي حققتها في محاربة مليشيات "داعش" سوى إصدار قرار باعتبارها فصيلا من فصائل الجيش العراقي، أي إن أمريكا كانت السبب الأول أيضا في ظهور قوات "الحشد".
في تتابع لسياساتها الكارثية، أساءت أمريكا تقدير الموقف في قرار الضربات الجوية الأخيرة لقوات "الحشد" وقتل "سليماني والمهندس" والتى أرادت بهما معاقبة "إيران" لأنها "شرعا" وجهت ضربات لفصيل من فصائل الجيش الوطني العراقي، وقتلت أحد أكبر قادته، وهو ما أثار الحكومة والبرلمان والشعب العراقي ضد الأمريكان.
اقرأ أيضا: الوطن الأزرق
ودون أدرك للموقف، كان من الطبيعي أن تؤدي الضربة الأمريكية وقتل "سليماني والمهندس" إلى تحويل الرغبة الشعبية الرافضة للوجود الإيراني في البلاد، والتي اندلعت في صورة احتجاجات شعبية واسعة النطاق طوال الشهر الماضي، إلى جانب المظاهرات الشعبية الرافضة للنظام في كل المدن الإيرانية، إلى رغبة في الانتقام من "الولايات المتحدة"، كما وحدت كل الطوائف داخل العراق وإيران ضد "أمريكا" وقوتها على أرض العراق.
لقد كان الأولى بـ "ترامب" البحث عن وسائل مباشرة لمعاقبة "إيران" أو ممارسة ضغوط على الحكومة العراقية لحل قوات "الحشد" بعد ثبوت تورطها في قصف القاعدة الأمريكية في كركوك، بدلا من توجية ضربات جوية لها، وقتل "سليماني والمهندس" وتأزيم الموقف المعرض يقينا للتصعيد.
الكارثة، أن النظام الإيراني أصبح ملزما أمام شعبه بالانتقام لدم "سليماني"، كما أن "قوات الحشد" لن تترك دم "المهندس" وستصبح القوات الأمريكية خلال الأيام القادمة هدفا لقوات "الحشد" وكل القوات التي تدين بالولاء لإيران في العراق، وهو ما قد يجعل أمريكا بالتبعية ترد بضربات أكبر.
واقرأ أيضا: قتلة الشعب السوري
والمحصلة، أن العراق سيتحول خلال الأيام القادمة إلى ساحة "مواجهات بالوكالة" بين “أمريكا” و”إيران" لن يكون الخاسر فيه سوى "الشعب العراقي" الذي أصبح لا سبيل أمامه للخلاص سوى الانتفاض وطرد “الأمريكان” و”الايرانيين” بكافة صورهم، خارج أرض العراق.