الوطن الأزرق
هل ستترك كل من "مصر واليونان وقبرص" الاتفاق البحري الخطير الذي وقعه "فايز السراج" رئيس المجلس الانتقالي الليبي "منفردا" مع تركيا منذ أيام، يمر مرور الكرام، وتكتفي الدول الثلاث ببيانات الإدانة، أم سيكون للقاهرة وأثينا ونيقوسيا رأي آخر، فيما يخطط له النظام التركي علنا بإقامة ما يسمى بـ"الوطن الأزرق" وتحقيق أطماعه الاستعمارية في منطقة شرق المتوسط؟
ففي شهر مارس الماضي، أجرت تركيا تدريبات بحرية ضخمة في منطقة بحر إيجه والمتوسط، وصفت بأنها استعراض للقوة، أطلقت عليها اسم "الوطن الأزرق" في رسالة واضحة للعالم حول تطلعاتها في منطقة شرق المتوسط، وفي سبتمبر الماضي، نشرت وسائل الإعلام التركية صورا للرئيس التركي مع طلاب جامعة الدفاع التركية، ظهر خلالها وهو يوقّع على وثائق كُتب عليها "الوطن الأزرق".
وفي بجاحة لا حدود لها، وقف الرئيس التركي في 13 نوفمبر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وصرح علنا بأطماعه في منطقة شرق المتوسط قائلا: "إن لتركيا حقوقا في مناطق بحرية جنوب جزيرة رودس اليونانية، وأن على كل من مصر وليبيا واليونان مناقشة كيف يتم ترسيم حدودهم البحرية".
ولم ينته الأمر عند هذا الحد، حيث نشر الموقع الرسمي للرئاسة التركية في الأسبوع قبل الماضي، صورة للرئيس التركي وخلفه خريطة لتركيا تشمل أجزاء من "بحر ايجه" ومجموعة من الجزر اليونانية، تمنح لتركيا امتدادات بحرية تصل نحو 462 ألف كيلو متر، وهي الامتدادات التي تعتبرها "أنقرة" حدودا طبيعية لها وتطلق عليها اسم "الوطن الأزرق" والتي تشمل الجزء الشرقي من "بحر إيجه" كاملا، إلى جانب جزر "ليمنوس ولسبوس ورودس وشيوس" اليونانية.
وفي تطور مفاجئ، بدأت تركيا منذ أيام قليلة الخطوات التنفيذية الفعلية لمشروع "الوطن الأزرق" بعد أن وقعت مع "فايز السراج" اتفاقا بحريا يمنح الأتراك الحق في انتهاك الأجواء والمياه الإقليمية الليبية دون الحصول على إذن مسبق من البرلمان الليبى، إلى جانب إقامة قواعد عسكرية على الأراضي الليبية، ويتجاوز الاتفاق ذلك، بانتهاكه الحقوق البحرية لكل من "مصر واليونان وقبرص" التي تجاور ليبيا في تلك الحدود.
وعلى الرغم من اتفاق "السراج" التآمري مع الأتراك لا يعد شرعيا أو ملزما لأطراف الحدود مع كل من ليبيا وتركيا في منطقة المتوسط، نظرا لعدم اعتراف "البرلمان الليبي" صاحب الحق الأصيل في التصديق على مثل هذه المعاهدات والاتفاقات به، إلى جانب مخالفته بشكل صريح لمبادئ القانون البحري الدولي، وتنكره لمبادئ حسن الجوار، إلا أنه يعد خطيرا ويأتي في توقيت غاية في الحساسية، حيث سيسمح للأتراك بالتدخل بشكل أكبر في ليبيا، وإمداد المليشيات المتطرفة التي تسيطر على "طرابلس" بالمزيد من السلاح، وتقويض فرص الجيش الوطني في استعادة العاصمة الليبية.
كما سيمثل الاتفاق غطاء لـ"أردوغان" للتنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، بالمخالفة للمواثيق الدولية، وسيعيق بشكل كامل إنشاء المنطقة الاقتصادية الحرة بين "مصر واليونان وقبرص" بعد تنكره ببجاحة لوجود جزيرتي "كريت دوديكانيسي" اليونانيتين، والواقعتين بين تركيا وليبيا بالبحر المتوسط.
للأسف، أن الخطوة التوسعية التركية في منطقة شرق المتوسط تتم في العلن، وأن إعلانها جاء صريحا أمام المنظمة الدولية الأكبر والأضخم في العالم، والمنوط بها تطبيق الشرعية الدولية، وقد بدأت تركيا رغم مخالفتها لكل المواثيق والأعراف الدولية خطوات التنفيذ.
فهل ستكتفي "مصر واليونان وقبرص" بالإدانة ويمر اتفاق "السراج" مع الأتراك مثل كثير من الخطوات التآمرية التركية ضد استقرار دول المنطقة، أم سيكون للدول الثلاث موقف آخر.. أتمني