حكم الشرع فى إجبار المرأة على الزواج
فى بعض البلاد يزوج الأب ابنته دون أن يأخذ رأيها، وقد تكون كارهة لهذا الزواج فما حكم الشرع فى هذا الزواج؟
يجيب عن هذا السؤال فضيلة الشيخ عطية صقر فى كتابه "فتاوى.. وأحكام للمرأة المسلمة" فيقول: روى البخارى أن خنساء بنت خدام زوجها أبوها وهي كارهة - وكانت ثيبا- فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.
وروى أحمد والنسائي وابن ماجه أن رجلا زوج بنته بغير استشارتها، فشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: إن أبى زوجنى من ابن أخيه ليرفع بى خسيسته. فجعل الأمر إليها، فلما رأت ذلك قالت: أجزت ما صنع أبى، ولكنى أردت أن أعلم النساء أنه ليس للآباء من الأمر شيء.
اقرأ أيضا: حكم الشرع فى المسح على "الشراب" النايلون الشفاف
وذكر الحارث في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل زوج بنته دون أن يستشيرها "أشيروا على النساء في أنفسهن"، إن استبداد الولى باختيار الزوج وانفراده بالعقد هو جناية على المرأة واستهانة بعواطفها وإحساساتها.. وكان العرب يستثيرون بناتهم في الزواج قبل الإسلام، فجاء الإسلام واحترم رأيها كجزء من تكريمه لها. وقد جاءت في ذلك عدة أحاديث، منها ما رواه مسلم "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن " قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال "أن تسكت".. وفي رواية "الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر وإذنها سكوتها".
الأيم في اللغة من لا زوج لها، والثيب التى سبق لها الزواج. واختلف العلماء في المراد بها فى هذا الحديث، فالجمهور قال أن المراد بها الثيب، أي التي سبق لها زواج، وقال الكوفيون: هي كل امرأة لا زوج لها، بكرا كانت أم ثيبا، كما هو مقتضاه في اللغة، وقالوا: كل امرأة بلغت فهى أحق بنفسها من وليها، وعقدها على نفسها النكاح صحيح..
اقرأ أيضا: حكم الشرع فى انفاق الزوج على زوجته العاملة
وقال الأوزاعي وأبو يوسف ومحمد: تتوقف صحة النكاح على إجازة الولى. واختلفوا أيضًا في عبارة "أحق بنفسها من وليها" هل هى أحق بالإذن فقط، أم بالإذن والعقد على نفسها؟ فعند الجمهور: هي أحق بالإذن فقط، وأما الذي يتولى العقد فهو وليها، وقال الكوفيون: هي أحق بالإذن والعقد، وقول الجمهور أصح لحديث "لا نكاح إلا بولى".
وقد تبين من الأحاديث وجوب احترام رأى المرأة عند الزواج، ولابد من موافقتها عليه إما بالقول من الثيب وإما بالسكوت من البكر، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم الأمر إلى من زوجت بغير رضاها، إن شاءت أمضت وإن شاءت رفضت.
واقرأ أيضا: حكم الشرع فى اجبار الزوجة على الحجاب
قال الشافعي وأصحابه: يستحب ألا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها، لئلا يوقعها في أسر الزوج وهي كارهة، ما لم تكن هناك مصلحة تفوت لو لم يزوجها، وهو أدرى بها منها، كما زوج أبو بكر رضي الله عنه عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم وهي صغيرة.
وبالجملة لابد من احترام رأى المرأة وتعاون ولى أمرها معها في اختيار زوجها، فالرجل له من عقله الراجح وتجاربه ما يوجه به عاطفة المرأة، وبخاصة إذا كانت نيته الوجهة الصالحة، فالزواج يحتاج إلى العقل والعاطفة معا.
والله تعالى أعلم.