المخدرات وتهديد وجود المجتمع (3)
من الخطورة الداهمة أنه لم تعد المواد المخدرة مقصورة على الأنواع الشهيرة من حشيش وكوكايين وترامادول، بل امتدت لتشمل أنواعًا أخرى تباع بشكل طبيعي في الصيدليات، وغير مدرجة في قوائم المنع، وذلك تحت مسميات عديدة لأدوية تستخدم في علاج بعض الأمراض المتعلقة بالجهاز العصبي.
واكتشف متعاطو هذه الأدوية، أن جرعاتها الزائدة تمنحهم نفس الحالة المزاجية التي تنتج عن تعاطي المخدرات، لمساهمتها في تفعيل «هرمون السعادة»، لذا يتوافد كثير منهم في الوقت الحالي على الصيدليات أكثر من تجار المخدرات للحصول على هذا «المخدر الشرعي»، وهو الأمر الذي يزداد مع انخفاض سعره مقارنة بالمواد الأخرى المحظورة.
ويأتي على رأس هذه الأدوية ما يعرف باسم «ليرولين»، وهى حبوب تستخدم لعلاج القلق ونوبات الصرع وغيرها من الأمراض العصبية خاصة بين مرضى «السكري»، بجانب «ليريكا» النسخة الأغلى والمشابهة للعقار ذاته، واللذين تحولا خلال الفترة الأخيرة إلى مخدر يباع علنًا في الصيدليات.
واقرأ أيضا : أزمة البطانية المصرية وصحة الفقراء
وعن أعراضه يقول أحد المتعاطين: «تظهر بعد ساعة أو ساعة ونصف من تعاطيه، وبمجرد وصوله للدماغ بتغيب عن الواقع تلقائيًا وتنسى أي مشاكل تواجهك وتطرد أي مزاج سيئ، لأنه يجعلك تشعر بالسعادة فقط لا غير». ويستكمل: «مع مرور الوقت الجرعة بتزيد طبيعي من ثلاث حبات إلى خمس وسبع، فبالتالي الضرر النفسي يبدأ يظهر في وقت الإقلاع عنه وهو الاكتئاب والصداع الرهيب في فترة صغيرة وهى يومان أو ثلاثة».
ومن المؤكد أن المخدرات لا يقتصر خطرها على صاحبها فقط وإنما يمتد لباقي أفراد المجتمع فنجد مثلا تلك الجريمة المروعة التي وقعت حوادثها في أوسيم بالجيزة حيث خرج شخص بسلاحه الذي أطلقه عشوائيا فقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين في مذبحة كبيرة. وثبت أن ذلك الشخص مدمن مخدرات مما زاد من دق ناقوس الخطر حول تعاطي المخدرات وخطورتها على المجتمع، ويجعل من الضرورة بمكان إجراء تحليل مخدرات للجميع، للوقوف على المتعاطين وبدأ التعامل معهم، بعدما أصبحوا قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت.
وقد كشف بيان النائب العام حول حادث قطار محطة مصر الشهير، أن تقرير الإدارة المركزية للمعامل الكيميائية أفاد بأن العينات المأخوذة من المتهمين وجدت إيجابية لآثار مخدر "الاستروكس" المدرج بالجدول الأول لقانون المخدرات لدى عامل المناورة المرافق للجرار رقم 3202 المتسبب في الحادث دون باقي المتهمين الذين تبين سلبية العينات المأخوذة منهم لآثار المواد المخدرة.
واقرأ أيضا: بنك ناصر لوحده مش كفاية
ومن المعلوم أن مخدر "الاستركوس" الذي يقبل عليه الكثيرون نظرًا لرخص أسعاره مقارنة بـ"الحشيش" يجري تصنيعه في ورش محلية عن طريق إضافة مواد كيميائية يستخدمها عادة البيطريون إلى أعشاب طبيعية مثل البردقوش. ويضيف البعض خلال تصنيعه مبيدات حشرية من أجل زيادة التأثير، غير أن هذا يجعل المخدر فعليا أشد فتكا. ويسبب تشنجات مؤلمة تؤدي إلى الهلوسة وفقدان الوعي. والسيجارتان من الأستروكس ثمنهما 30 جنيها، بينما سيجارة الحشيش ثمنها 50 جنيها. وينتشر في المناطق الفقيرة، حيث تدهورت مستويات المعيشة.
وبحسب الإحصاءات، يقول مسئولون إن نحو 104 آلاف مدمن للمخدرات يتلقون العلاج مجانا في مركز يتبع وزارة التضامن الاجتماعي. ومتعاطو "الاستروكس" باتوا يشكلون نحو 25 بالمائة من إجمالي المتقدمين للعلاج هذا العام مقارنة مع 4.5 بالمائة في عام 2018. وذكر مصدر أمني أنه في آخر ستة أشهر، ارتفعت أعداد المضبوطين بتهمة تعاطي "الأستروكس" بنسبة 300 بالمائة.
واقرأ أيضا : هموم الفقراء ومعاش "تكافل وكرامة"
وفي هذا الصدد، يقول أحد خبراء الأمن، إن نحو 80 % من الجرائم الجنائية يقف خلفها أشخاص متعاطون للمواد المخدرة، الأمر الذي بات من الضروري معه تحرك كافة الجهات المعنية للتصدي لمتعاطي المواد المخدرة. وأن مرتكب الحادث ربما يكون دائم التعاطي وليس مستحدثا، وأن المواد المخدرة المدرجة بالجدول سواء طبيعية أو تخليقية كلها مغيبة للعقول تفقد الإرادة والرشد وتجعل الشخص يعتبر كل شيء مباحا. ولفت الخبير الأمني، إلى أن تعاطي المخدرات تجعل صاحبها يرتكب الجرائم دون النظر لكون متعلم أو أمي، غني أو فقير.
ويذكر أحد خبراء الطب النفسي بالأكاديمية الطبية العسكرية، أن نسبة تعاطي المخدرات بين الموظفين باختلاف مهنهم تعد كبيرة للغاية، إذ يتخذ بعضهم الضغوط الحياتية كحجة للتعاطي دون أن يدرك خطورة تلك الخطوة على صحته الجسدية والنفسية وعلى من حوله أيضا، مشيرا إلى أن أغلب اللجان الطبية التي تلجأ إليها الشركات لفحص موظفيها تعتمد على إجراء تحليل البول بدلا من الدم بسبب تكلفته المنخفضة مقارنة بالأخير: «بعض الشركات التي تقوم بفحص موظفيها للتأكد من حالتهم الصحية تعتمد على سحب عينة عشوائية منهم إلا أن في أغلب الأوقات تلك العينة تكون غير دقيقة، لأن لو المكتب يضم 10 موظفين بينهم 8 يتعاطون حشيش هيظهر في التحليل إن كلهم متعاطين، وده بنسميه فى الطب المدخن الصامت».