أزمة البطانية المصرية وصحة الفقراء
في خطوة موفقة، وافق وزير التجارة والصناعة على بدء إجراءات تحقيق المراجعة النهائية، لرسوم مكافحة الإغراق النهائية المفروضة على الواردات المغرقة من صنف البطانيات المصنعة من الألياف التركيبية، بمقاسات وأوزان مختلفة (عدا الكهربائية)، وإن كانت على هيئة رولات ذات المنشأ أو المصدرة من الصين.
وكان وزير التجارة والصناعة الأسبق "منير فخري عبد النور" أصدر في أغسطس 2015، القرار رقم 7 لسنة 2015 بفرض رسوم إغراق لمدة 5 سنوات على البطانيات المصنعة من الألياف التركيبية بمقاسات وأوزان مختلفة فيما عدا الكهربائية، كما تضم الواردة على هيئة رولات ذات منشأ أو المصدرة من جمهورية الصين الشعبية.
وتضمنت هذه الرسوم نسبة 54% من القيمة بما لا يقل عن 1.53 دولار للكيلو جرام للشركات الصينية المتعاونة، و77% من القيمة سيف بما لا يقل عن 1.89 دولار للكيلو جرام للشركات الصينية الأخرى.
وقد ذكر بيان صدر عن قطاع المعالجات التجارية بوزارة التجارة والصناعة، إن القطاع تلقى طلبا مؤيدا مستنديًا من اتحاد الصناعات المصرية ممثلًا عن شركتي "مصر إسبانيا" للبطاطين والمنسوجات، و"سانتامورا إيجيبت" لمراجعة رسوم مكافحة الإغراق النهائية المفروضة على البطانيات المصنعة من الألياف التركيبية.
وأن الطلب يدعي أن إنهاء العمل بالرسوم المفروضة على المنتج والخاضع للبند الجمركي (63 01 40) يمكن أن يؤدي إلى احتمال استمرار أو تكرار الإغراق والضرر على الصناعة المحلية.
وقد قام القطاع بدراسة طلب المراجعة النهائية وأعد تقريرًا للعرض على اللجنة الاستشارية، حيث رفعت توصيات لوزير التجارة والصناعة باتخاذ إجراءات بدء تحقيق المراجعة النهائية للرسوم المفروضة على الصنف المشار إليه، والنشر بجريدة الوقائع المصرية.
ووفقا للبيان، سيتم إخطار منظمة التجارة العالمية ببدء إجراءات تحقيق المراجعة النهائية ضد الواردات المُشار إليها، كما ستتاح الفرصة لكافة الأطراف لإبداء وجهات نظرها وفقًا للآلية التي حددها القانون الدولي والتشريع المحلي في هذا الصدد. وأشار البيان إلى أن ذلك سيحدث من خلال قوائم الأسئلة التي يتم إرسالها، وكذا سيتم إجراء زيارات ميدانية للأطراف المعنية للتحقق من البيانات المقدمة في ردها على قوائم الأسئلة قبل اتخاذ القرار النهائي.
إذا القصة كلها تدور حول مطالبات الشركات المصنعة للبطانية المصرية باستمرار فرض الرسوم الإغراقية على البطانيات المستوردة أو زيادتها وذلك حماية للصناعة المصرية، وهذا منطق نسانده بشدة دعما للصناعة المصرية في ذلك المجال، ولنا أن نعلم أن حجم الإنتاج السنوي من البطاطين في مصر يبلغ 6 ملايين بطانية، فيما يتراوح حجم الاستهلاك السنوي ما بين 5 إلى 5.5 مليون بطانية..
إذا فهناك فائض في الإنتاج كبير، لكن بالطبع لا يتم استخدام كل المنتج المصري، ولكن يستغل منه ما يعادل 4 مليون بطانية والباقي من المستورد، وسعر البطاطين المصنعة محليا تتراوح من 300 إلى 900 جنيه للواحدة، وتعتبر أعلى جودة وأكثر صحة على المواطنين من مثيلتها المستوردة، وأولى الدول التي يتم الاستيراد منها هي الصين وتركيا، إلا أن الصين أكثر الدول التي يتم الاستيراد منها بنوعيات ذات جودة أقل ومهربة.
وإذا كانت هناك رغبة حقيقية في حماية المنتج المصري من البطاطين فينبغي حل مشكلات صغار المصنعين وليس الشركات الكبرى فقط، فصغار المصنعين في المحلة هم المورد الرئيسى لجميع محافظات الجمهورية للبطاطين الشعبية، حيث تمتلك النسبة الأكبر في محافظة الغربية، من حيث عدد المصانع والقوة الإنتاجية إلا أنها في السنوات الأخيرة تواجه عدة مشكلات ومعوقات أصابت الصناعة بالشلل والركود، وتهديد أكثر من مائة مصنع بالغلق وتشريد العمالة، ليواجهوا بذلك شبح البطالة.
ومن المشكلات التي تواجه الصناعة أوضح، ارتفاع أسعار الخامات وعلى سبيل المثال "الغزل من 6 آلاف إلى ١2 آلاف جنيه، والبولستر المستورد والمحلى من ٢5 إلى 42 جنيها، والستان "برواز البطانية" من 50 إلى 70 جنيها، فضلا عن ارتفاع أسعار الكهرباء المستمر، بخلاف زيادة مصروفات الانتقال حتى وصلت النقلة الواحدة للقاهرة إلى 7٠٠ جنيه بسبب غرامات مرورية على ارتفاع الحمولة رغم موافقة محافظ الغربية على إصدار تصريحات لسيارات نقل البضائع.
كل ذلك انعكس بالسلب على سعر البطانية الشعبي، فأصبح لا يستطيع المواطن الفقير شرائها ووصلت سعرها إلى 120 جنيها، وفى مصانع أخرى إلى 250 جنيها، على حسب الخامة، وهو ما أدى إلى ركود تام في عملية البيع والشراء، وتسريح العمالة.
وينبغي أن تدعم الدولة هذه الصناعة بتخفيض تعريفة الكهرباء والوقود، خاصة لأن الفقراء والعمال أكثر المتضررين، والعمل على ترخيص سيارات نقل البضائع، وإلغاء الغرامات، وجعلها ضريبة سنوية فقط.
كما يواجه المستهلك المصري الفقير أزمة حقيقية من جراء منتجات غير مطابقة للموصفات، وشديدة الضرر على الصحة، وأسعارها منخفضة بالطبع فتجد مثل هذه البطانية توزع في الجمعيات الخيرية، وبعض المساجد، ومن بعض الأثرياء على الفقراء استغلالا لرخص أسعارها، لكن يجد الفقير أن لها رائحة كريهة جدا، وما يلتحف بها حتى يصاب بالسعال وأمراض الصدر والحساسية وطفح جلدي، ويحتاج علاج هو في الأصل غير قادر على توفير ثمن طعامه.
فهذه البطاطين مصنوعة من ألياف صناعية ومواد مخلوطة غير معلوم مصادرها، تكون سببا رئيسيا في الأمراض الجلدية وليست الحساسية فقط، فقد تسبب حكة بالجلد واحمرارا وربما طفحا جلديا، نتيجة احتوائها على أصباغ ضارة وتكوينها من مواد بلاستيكية، وليس أليافا مطابقة للمواصفات، وأخطر شيء أنه من الممكن الإصابة بسرطانات الجلد نتيجة التعرض لفترة طويلة لتلك الخامات.
وأكد أحد الفنيين أن تلك البطانيات تصنع غالبا في مصانع بئر السلم من بواقي القطن من المستشفيات، بالإضافة لفلاتر سجائر، وتقوم بإعادة تدويرها لغزول، وتضيف عليها بعض أنواع الزيوت كي تتماسك، ولا يوجد حصر بعدد مصانع بئر السلم التي تصنع هذه الأنواع الرديئة من البطاطين، وليس لهذه الورش تراخيص صناعية، ولا تدفع ضرائب ولا تقوم بالتأمين على عمالها..
كما أنها تستخدم معدات وآلات قديمة مضى عليها مائة عام، وتكون خطرا على عمالها أيضا وليس المستهلك فقط، وتباع مثل هذه البطانية بأسعار لا تقل عن 40 جنيهًا، ولا تزيد على 80 جنيهًا للبطانية الواحدة، وتمتلئ أرصفة شارع 26 يوليو بوسط القاهرة، وقرب وكالة البلح بعدد لا بأس به من المحال التي تبيع هذا النوع من البطاطين الرخيصة في ثمنها.