رئيس التحرير
عصام كامل

العشرية السوداء!

السنين تصنع أعمار الأمم، كما تصنع أعمار الأفراد، عمر الأمة يحسب بالقرون، وعمر الفرد يحسب بالعقود، وفى تاريخ الإنسانية، مع قليل من التأمل، يمكن رصد كوارث وإنجازات، هى تحولات كبرى في الصراعات وفى العلاجات وفى النظريات وفى الفنون والآداب كافة. 

 

وعلى مستوى الستة عقود أو السبعة أو حتى الثمانية للإنسان الفرد، فغالبا ما يكون هو ذاته موضوع ومجال وهدف هذه التحولات العنيفة، فاعلا، أو مفعولا، قاتلا، أو مقتولا، مخترعا، أو مخترعا له... حرا أو سجينا . ولأننا الجيل الذي عاش بين قرنين، عانى حروب ٥٦، واليمن، ويونيو الأسود، وحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر، ثم استقرت حال البلاد واستوت طويلا، حتى داهمها زلزال دورة القرن الجديد، الألفية الثالثة، فدخلت علينا، وعلى المنطقة، دخلة قطيع من الثيران الإسبانية المستنفرة فبهدلتنا ومزقتنا وروعتنا.

 

مضي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين في التحضير لمصيبة العقد الثاني منه.  استعان على التحضير بأدوات التكنولوجيا المدمرة ، والتى تمكن بها الأفراد من تجاوز سلطات الدولة الوطنية وحكومتها وبوليسها وجيشها.  وهكذا ففي الوقت الذى كنا فيه، كمصريين نمدد السيقان على الكنب، أمام الفضائيات راقدين بعجائزنا فى خل الغفلة، كانت عملية تسخيط قطاعات مهمشة وعاطلة وخاملة، وخامدة، تجرى في كوكب مواز، على الانترنت، من خلال صفحات تثوير وتلقين وتعبئة وحشد ودعوات وتحديد مواعيد لإنهاء الأوضاع.. بالعنف.

 

اقرأ ايضا: وراء الستار فى عقل أردوغان

 

وهكذا طالعنا العقد الثاني بوجه عابس مكفهر، منذر بثوران بركاني، سبقته حمم قادمة من تونس. ليس مجالنا اليوم رصد خط سير النيران وألسنة اللهب المدبرة، بل مجالنا أن ما بدأ به العقد الثاني هو ما سينتهى به، ولعله يفضى بكوارثه إلى العقد الثالث. 

مجرد زوال عام ٢٠٢٠ وبدء عام ٢٠٢١ نكون دخلنا في ثلاثينيات القرن الواحد والعشرين. وقد تلاحظون أن "زمن الزمن " لم يعد يقاس بالساعات ولا بالشهور ولا بالسنين بل بقتل إحساس الناس به؛ فيداهمهم أنهم كبروا وشاخوا وسرقت عشرون عاما من أعمارهم .

 

قتل إحساس الناس تم ويتم بما تعرضنا له فى مصر وما زلنا نتعرض له. مصيبة بعد مصيبة.  حادثة إثر حادثة.  تخويف يلحقه تخويف.  وعود لا تتحقق.  سراب إثر سراب.  كلنا مدرك جدا أن السنوات من ٢٠١١ حتى ٢٠١٩ ضاعت ضياعا وسرقت سرقة واختلست اختلاسا. فيم انفقناها؟ 

 

في الترقب.  فى انتظار البلاء. العيل الذي كان عمره عشرة أعوام صار شابا في التاسعة عشرة ويشارف العشرين وصاحب العشرين ألقى به إلى الثلاثين، والخمسيني المسكين المتشبث بالأربعين قذف به فى رماد الستين، فما بالك بالمقيم فى الستين وقد تحول إلى مخلوق سبعيني قابع تحت الجليد ؟!

واقرأ ايضا: البيت المصرى يتحلل!

العزاء حقا أن الأعراض واحدة. فالكل مخنوق.  والكل معلق.  والكل شاخص الأبصار إلى خط مبهم فى الأفق. والكل منتظر.  وطن بأكمله رهين غيب داهم مجهول منذر . العزاء حقا أن الأعراض شاملة كل الأعمار.  لا فرحة. بل ترقب ثم ترقب.  ثم ترقب.

 

مع دورة العشرين الثانية هذه سيرحل ناس من أي مرحلة عمرية، لكن أغلبها، مرشح ما بين الخمسين والخامسة والسبعين، وفقا لنموذج وفيات المصريين خلال العشرية السوداء هذه. هؤلاء ستتوقف فيهم حالة اللهاث والترقب. تسكن الروح.  ويعود التراب إلى التراب .

 

احتفل البشر ليلة الثلاثاء احتفالا مجنونا بقدوم العام الجديد..وهم يلعنون العام المنصرم، والعام الجديد يعلم انهم منافقون، وسيلعنونه مع نهايته احتفاء بالملك القادم.  مات العام عاش العام.  مات الملك عاش الملك.. اقسم بالله ان السماء تضج بالضحك سخرية من هذا المخلوق الآدمى التافه.. عشر سنوات عصيبة.. تنذر بامتداد..

اللهم اغفر وارحم..

الجريدة الرسمية