وراء الستار فى عقل أردوغان
يتابع المصريون باهتمام، لم يبلغ بعد مستوى القلق، التصريحات المتدحرجة تباعا علي لسان السلطان العثماني رجب طيب أردوغان، وعزمه تفعيل مذكرة التفاهم الأمني والبحرى مع حكومة الميلشيات الإرهابية في طرابلس برئاسة فايز السراج .
الاهتمام مشروع وواجب، لكن تحليل الموقف على الساحة الليبية، والتعرف على العقبات المتعددة التي تواجه تنفيذ رغبة السراج بإرسال قوات تركية تقاتل جنبا الى جنب مع قوات إرهابية تقودها حكومة طرابلس، من شأنه أن يوضح الى حد تعتبر تصريحات الطرفين في أنقرة وفى ليبيا السراج لا وزن حقيقيا لها .
وحقيقة الأمر أن أقصى ما سوف تتمخض عنه وقفة أردوغان المتصلبة هو إرسال مجموعات تدريب خاصة، فضلا عن مجموعات استخباراتية، ومنها من هو موجود بالفعل، وسوف تمد أنقرة قوات طرابلس بالمعلومات العسكرية .
إرسال قوات للقتال والاشتباك أمر له إجراءات أخرى وتبعات أخرى، والمفهوم أن تركيا متورطة في شمالي شرقي سوريا، ورغم حرصها البالغ على التنسيق مع الرئيس الروسي بوتين، وشراء صواريخ إسكندر ٤٠٠ واغضاب واشنطن وحلف الناتو، إلا أن تأييد بوتين لأنقرة في ليبيا ليس مضمونا..
بل بالعكس، فإن حفتر قائد الجيش الوطنى الليبي يحظى بدعم كبير من روسيا ومن مصر ومن الإمارات، وأكثر من هذه أن من يسميهم أردوغان بالمرتزقة الروس الذين يقاتلون مع الجيش الوطنى هم من مجموعة يطلق عليها اسم “فاجنر”، الذي يتمتع بثقة وصداقة الرئيس بوتين، وفقا لتقرير لوكالة بلومبرج .
اقرأ ايضا: مرسوم ترامب.. اليهودية قومية !
ومن الواضح أن هذه القوات الروسية التي يعتبرها أردوغان مرتزقة تسبب صداعا موجعا، وتكبح قدرة أنقرة على التصرف بحرية في الملعب الليبي كما هو الحال في الملعب السورى. من أجل هذا توجه وفد تركي قبل أيام لبحث الموقف الروسي من الدعم العسكرى التركي لحكومة الميلشيات، ومصير قوات المرتزقة الروس الذين يدعمهم بوتين.
وكان أردوغان أعلن بنفسه أن المرتزقة تدعمهم روسيا وأن هذا يزعجه، لأن دعم الروس للأسد في سوريا مؤسس على وجود رئيس شرعى هو بشار، أما خليفة حفتر فهو قائد عسكرى متمرد، ومن ثم فهو لا يتمتع بالشرعية، من وجهة نظر أردوغان. أضف إلى كل هذه العقبات والكوابح أن روسيا تشترك حاليا مع القوات السورية الوطنية في معركة كبرى في إدلب، حيث جماعات إرهابية تدعمها تركيا.
واقرأ ايضا: بينما سوريا تنزف دما وكرامة
وأول أمس اشتبك الجيش السوري مع القوات التركية، ويعرف أردوغان أنه لن يتمكن قط من تجاوز حدوده المرسومة هناك، وخصوصا مع توتر علاقات أنقرة مع واشنطن وحلف الأطلنطى والاتحاد الأوروبي، والأخير بسبب التحرش التركى الاستفزازى شرقي المتوسط في مياه الغاز الشرعية لقبرص واليونان.
في ضوء هذه المعطيات ، لن تتمكن تركيا في الأجل المنظور من الزج بجيش يقاتل في طرابلس دفاعا أو هجوما، ومنتهى الدعم هو فرقة تدريبية ومعلومات استخباراتية وعتاد حربى متصل . ولعل التصريح الذي أدلى به مبعوث أردوغان إلى طرابلس، أمير الله ايسلر، يحسم الموقف الجدلى في هذه المسألة، فقد قال: "كما هوالحال في قطر وفي الصومال، قوات تدريب وعلم تركيا يرفع، وستكون رسالة (الردع) الضرورية قد وصلت".
على أن ما كتبه أمس فخر الدين ألطون رئيس دائرة الاعلام في الرئاسة التركية، يفسر كثيرا أسباب التحرك التركى السريع والمتحمس لمساندة فايز السراج في طرابلس، قال إن توقيع مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق أظهر أن أنقرة لن تسمح بفرض الأمر الواقع شرقي المتوسط. هدفه اذن ازعاج مصر وقبرص وإسرائيل واليونان. كتب أيضا : "التصريحات الوقحة لقبرص الرومية ( اليونانية يقصد) بعد الاتفاق، وردود الفعل من جانب الاتحاد الأوروبي وامريكا وروسيا، لن تمنع تركيا من تنفيذ سياستها في شرقي المتوسط. من الآن فصاعدا.. تركيا في الميدان عبر سياستها الخارجية.