انزلوا للناس وصارحوهم.. وابتعدوا عن المجاملات!
عديدة هي الدلالات التي يوحي بها التعديل الوزاري الأخير، خصوصاً إسناد ملفات الاستثمار والإصلاح الإداري لرئيس الوزراء وتلك مهمة شاقة إلى جانب مهماته الأساسية.. فهذا مؤشر على أن العام الجديد سيشهد تغييرات جذرية وتحسناً يعظم الفرص ويزيل أي معوقات في تلك الملفات المهمة التي باتت أولوية قصوى على أجندة الحكومة في الفترة المقبلة.
الرئيس السيسي انتهج منذ البداية سياسة المكاشفة ومصارحة الشعب بحقائق الأمور والمشكلات وما يجري حوله من صراعات وما يستجد من متغيرات وتحديات، وما ينبغي التصدي له من صعوبات كثيراً ما تجاهلتها وربما غيبتها عمداً أنظمة سابقة حتى آلت لما هي عليه اليوم..
ومن ثم فقد طالب الرئيس الوزراء والمسئولين بالابتعداد عن المجاملات في اختيار العناصر الإدارية والنزول إلى الناس والانخراط معهم في حوار بسيط في لغته، عميق في مغزاه، ومصارحتهم بحقائق ما يجري حولهم أولاً بأول وطرح الشواغل الكبرى التي ينبغي أن يعيها ويتفاعل معها الشعب بكل فئاته وأطيافه، وأن يراها بواقعية وموضوعية بعيداً عن تستيف الأوراق ومبدأ "كله تمام" الذي اتبعته حكومات سابقة.
اقرأ أيضا: الحكومة المعدلة.. هل ستكون على مستوى التحديات؟!
الرئيس يريد خلق رأي عام حقيقي وليس وعياً زائفاً.. ولا طريق إلى ذلك إلا عبر المصارحة والجدية والبساطة في مخاطبة السواد الأعظم من الشعب البطل الحقيقي في عبور الأزمات وقهر الصعاب، والجندي الحقيقي في معركة البناء والإصلاح الاقتصادي ومكافحة الإرهاب ومجابهة الشائعات التي تستهدف توهين الروح المعنوية، وتثبيت دعائم الدولة واستعادة هيبتها ودورها الفعال دولياً وإقليمياً في شتى الملفات.
ولا يترك الرئيس فرصة دون أن يصارح جماهير الشعب بالحقائق، وهو ما عوض الغياب الملموس أو الإخفاق الكبير للأحزاب والإعلام والنخبة في معركة التوعية وتبصير الناس بصحيح المعلومات و الآراء.. ولعل مثل هذا الغياب وراء عودة حقيبة الإعلام في التغيير الوزاري الأخير، فقد وصلت الدولة إلى قناعة مفادها أن ملفاً بهذه الخطورة لا بد أن يلقى اهتماماً يليق بخطورته في تحريك الرأي العام وصناعة بوصلته وخلق التواصل البناء والفعال مع الجماهير والتصدي للشائعات وسيل الأكاذيب والافتراءات التي تستهدف تشويه صورة مصر.
واقرأ أيضا: أبلغ دعاية
رسالة الرئيس للوزراء تقول بوضوح: اخرجوا للناس وصارحوهم بحقيقة ما يدور حولهم، حتى لا يتركوا نهباً لشائعة هنا أوكذبة هناك.. فالرئيس لا يرضيه ما أصاب مؤسسات الدولة وأجهزتها من بيروقراطية عقيمة وفساد إداري، أوجب تغييراً في حقيبة الاستثمار والإصلاح الإداري، وإسنادها لرئيس الوزراء شخصياً في رسالة قوية تقول للحكومة كلها: "انسف حمامك القديم".
ولعل قول الرئيس السيسي "بجيب مسئولين كتير.. وأول ما يدخلوا الوزارة يغطسوا وما يطلعوش تاني"، يلخص حقيقة الأزمة التي عاشتها مصر بفضل البيروقراطية التي يغرق في تفاصيلها الرتيبة كثير من المسئولين، كما تبتلع معهم كل جهود الإصلاح، وأفكار التطوير وتحول بينهم وبين الرؤية النافذة التي ينبغي لكل وزير أن يتحلى بها للنهوض بمقتضيات منصبه الرفيع، الذي هو سياسي أكثر منه تكنوقراطي؛ ومن ثم فقد طالب الرئيس الوزراء الجدد بتقديم حلول من خارج الصندوق.