رئيس التحرير
عصام كامل

عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: الكلام عن تجديد الخطاب الديني "موضة" .. والهجوم على شيخ الأزهر هجوم على الدين نفسه (حوار)

الدكتور أحمد معبد
الدكتور أحمد معبد عبد الكريم

"قلة التربية" وراء الانحرافات الأخلاقية.. ورفع الوعى "مسئولية جماعية"

من يهاجمون «البخاري» جزء من الهجوم على الدين ككل ومن يهاجمه «أجير»

الهجوم على قانون الأحوال الشخصية نتيجة انحرافات المجتمع.. ومشيخة الأزهر استعانت بكل من له علاقة بالقضية

لم يتقدم لنا شخص واحد ويخبرنا أن هناك مشكلة أو أزمة معينة نحتاج لتجديد فيها 

تخصصى في الحديث جاء بسبب الدراسة وكنت أرغب في دراسة علم التفسير

المكتبات في الدول الأوروبية بها من النسخ الخاصة بصحيح البخاري أكثر مما تحتويه المكتبات بالعالم الإسلامي

لأسباب مرضية ورغبة في التفرغ للعلم والتعليم ، ابتعد الدكتور أحمد معبد عبد الكريم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، شيخ المجالس الحديثية بالأزهر الشريف، عن الظهور الإعلامي، ليترك مساحة لا يستهان بها من المفترض أن تكون من نصيب «الأصوات العاقلة» التي تقدم «صحيح الدين»، وتمتلك مئات الحجج الراسخة للرد على الافتراءات والأكاذيب التي بدأت تشق طريقها في عدد من وسائل الإعلام.

ملفات عدة وقضايا متشابكة وضعتها «فيتو» على طاولة الحوار الممتد مع «د. معبد»، سواء تلك المتعلقة بـ«الأزهر الشريف»، وموقفه من الهجمات الشرسة التي يتعرض لها «رأس الهرم السنى» في العالم، أو الملفات المتعلقة بـ«تجديد الخطاب الديني» وموقفه من الهجوم على «البخاري» والدعوات التي لا تهدأ حينًا وتظهر في حين آخر حول «تنقية التراث».. وكان الحوار التالي: 

*في البداية.. حدثنا قليلًا عن سنوات الطفولة؟

ولدت عام 1939، في قرية الشيخ سعد، مركز أبشواي، بمحافظة الفيوم، لأسرة شريفة يمتد نسبها إلى «بني كلاب»، أجداد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، توفى والدى وأنا في سن صغيرة وكانت والدتي الموجه الأول لي، وهى التي ألحقتنى بكُتّاب القرية، حيث تعلمت قواعد القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم انتقلت للدراسة بمعهد القاهرة الأزهري، ومنه حصلت على الشهادتين الابتدائية والثانوية الأزهرية عام 1961م، لألتحق بعدها بكلية أصول الدين بالقاهرة، وحصلت على درجة الإجازة العالمية (الليسانس) من شعبة الحديث وعلومه عام 1966م، ثم حصلت على درجة التخصص (الماجستير) سنة 1970م، ثم عُينت معيدًا بقسم الحديث وعلومه بكلية أصول الدين بالقاهرة عام 1972م.

*ما السر وراء عزوفك عن الظهور في وسائل الإعلام؟

يرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى ظروفى الصحية، فكثيرًا ما يطلب بعض الصحفيين والقنوات إجراء حوارات معي، لكننى في معظم الأوقات أكون متعبا أو في المستشفى، كما أن بعض اللقاءات تطلب الذهاب إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، وظروفي الصحية لا تسمح بذلك.

*ما الأسباب التي دفعتك لأن تتخصص تحديدًا في علم الحديث؟

التخصص جاء عن طريق الدراسة، فبعد انتهائي من مرحلة الليسانس اخترت الحديث كرغبة ثانية في استكمال الدراسة به، وليس رغبة أولى، والتي خصصتها حينها لدراسة علم التفسير، وحصلت على ماجستير في علم التفسير، لكنه هذا الماجستير لم يكن مؤهلا وقتها لتسجيل الدكتوراه، وفي الوقت الذي لجأت فيه لدراسة علم الحديث في عام 66 كان الدارسون له قليلون، وكان الغالبية يتجهون نحو دراسة علم التفسير.

*بشكل عام.. كيف ترى الساحة الدينية في مصر؟

لو أردنا أن نتحدث عن الساحة الدينية من ناحية الثقافة العامة للناس، فالحمد لله الثقافة الدينية لها مكانتها، فوزارة الأوقاف ترعى هذه الثقافة عن طريق الدعوة ونشر الوعي الديني في دورس ووعظ ومناسبات، ومؤخرًا أنشأت وزارة الأوقاف الأكاديمية الوطنية لتأهيل وتدريب الأئمة، وهي تعمل على ترسيخ الثقافة الدينية الصحيحة والعناية بالتبصير والتنبيه على تجنب التيارات المنحرفة والمتطرفة باسم الدين، وإلى جانب ذلك هناك قسم الوعظ بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، والذي أرى أنه يرعى الجانب المكمل لرسالة وزارة الأوقاف، وهو لديه كادر للواعظ على مستويات قد لا يستطيع الإمام بالمسجد أن يتصل بها، وهم منتشرون في القطاعات المختلفة مثل السجون والمصانع والشركات والجامعات بين الطلاب لنشر الثقافة الإسلامية في المجتمع، وكذلك الأمر فإن الأزهر يرسل عادة للجهات التي لا يصل إليها نشاط أئمة المساجد، يضاف إلى ذلك الكليات الشرعية بالأزهر التي تمتد من أسوان إلى الإسكندرية، فعددها يتجاوز الـ70 كلية، وثلث هذا العدد إما كلية أصول دين أو شريعة أو دراسات إسلامية، ومناهج هذه الكليات تقوم على الدراسات الدينية من حديث وتفسير والعلوم الشرعية كافة، فإذا نظرنا إلى هذا التكوين نجد أنه مخزون علمي كافٍ لنشر الثقافة الإسلامية.

*هناك أصوات ترى أن التدين بدأ ينسحب تدرجيًا من حياة وسلوكيات المصريين.. إلى أي مدى تتفق مع هذا الرأى؟

من وجهة نظرى، وأنا أخالط كافة طوائف المجتمع، أن السبب في الانحرافات والأمراض الاجتماعية التي انتشرت مؤخرًا ليس قلة الدراسة الدينية، لكن السبب يكمن في «قلة التربية»، فأنا أرى أن الشخص إذا كان مولودا في بيئة متدينة فإنه من النادر أن ينحرف في سلوكة، كما لاحظت أن أحيانًا الدراسة وحدها لا تكون تدينا، ولذلك أجد أن هذه هي رسالة البيوت والأسر فهى فرضت في هذه المسئولية بداية من البنية الأساسية، فعن تجربة شخصية فإن هذه الانحرافات تظهر في أسر مفككة، ومن جانبي عاشرت نشأة جماعات الإسلام السياسي، واتضح لى أن غالبية هؤلاء نشئوا في أسر مفككة، فليس هناك أب يعمل على توجيه أبنائه، فالتفكك الأسري والزيجات غير المتناسقة السبب الرئيسي وراء ظهور الانحرافات والأمراض المجتمعية.

*برأيك.. ما الطرق السليمة التي نستطيع من خلالها معالجة الانحرافات الاجتماعية؟

يجب أن تكون المسئولية عن نشر الثقافة الدينية ومعالجة الانحرافات في المجتمع مجتمعية، بمعنى أن تطول جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها الإعلام الذي تتوافر لديه فرصة مخاطبة الناس بطرق لا يستطيع الآباء أو رجال الدين الوصول إليها، كما أن الخطر جماعى فعلى جميع أفراد المجتمع أن يؤدوا الدور المنوط بهم.

*بالحديث عن الإعلام.. كيف ترى دور وسائله المتنوعة (المسموعة والمقروءة) وتأثيرها في المجتمع؟ الإعلام عليه دور كبير، في ظهور بعض الأمراض الاجتماعية المختلفة، فنحن في بعض الأوقات نحتاج إلى إيصال رسائل معينة إلى المجتمع لكننا لا نجد فرصة للظهور على أي من القنوات الفضائية، وفي المقابل هناك بعض المواقع والصحف التي تفرد صفحاتها لبعض المقالات والحوارات التي تروج لأكاذيب وافتراءات كاذبة، فبعض وسائل الإعلام لا تساعد رجال الدين في عرض وجهة نظرهم على المجتمع في بعض الأحيان، وتفتح أبوابها للطاعنين الذين يروجون الأكاذيب، ولا يفتحون الباب بنفس القدر للأئمة لتصحيح الأفكار المغلوطة في المجتمع، والأزهر يعمل حاليا على إعداد قناة للأزهر، وهى تنتظر الموافقة اللازمة حتى تظهر إلى النور، وعلى الإعلام أن يخاطب نفسه بنفسه لأن الدين ليس مسئولية الأزهر وحده.

*وسط هذا كله.. هل ترى أن مقولة: «الشعب المصري متدين بطبعه» صحيحة؟

نعم.. كلمة صادقة بالفعل، لسبب بسيط هو أن الطبقة الدنيا والأسر البسيطة عندما تختلط بها تجدها تملك القدر الكافي من التدين، فتجدهم عند سماع الأذان يذهبون إلى المسجد وحدهم دون أن يحتاج أي منهم إلى أحد ينبه إلى ذلك.

*كيف ترى الهجمات التي يتعرض لها صحيح البخاري بين الحين والآخر؟

الهجوم على «البخاري» جزء من قضية الطعن في الدين ككل، وتلك الطعون هي طعون قديمة أثيرت منذ أكثر من 100 عام، وتم التعرض لها بالبحث والتفصيل، فهذا دليل على أن تلك الطعون هي تكرار لشيء قديم، ولا يمكن أن يطعن شخص في صحيح البخاري إلا أن يكون (أجير) جهة أخرى، ومهما يظهر أنه صاحب فكر وغيره فهذا ليس صحيحا، وإنما هو كل الذي حركه لهذا هو مسألة المادة وعندما تنقطع هذه المادة يتوقف هذا الهجوم.

*كيف ترى الهجوم الذي تعرض له الأزهر بسبب قانون الأحوال الشخصية؟

الحقيقة أن الهجوم الذي يتعرض له الأزهر بسبب قانون الأحوال الشخصية هو أحد أشكال الانحراف التي نعانى منها في المجتمع، ومن جانبى أود أن أسال سؤالا هل الأحوال الشخصية مسألة دينية أم سياسية؟ ومن الذي يستطيع أن يحل المرأة لزوجها هل الدين أم السياسية؟ والمشيخة أرسلت بالفعل التصور الذي وضع لقانون الأحوال الشخصية، وهو الآن تحت الدراسة، ولو أخذ به لتغيير طريقة التقاضي والأحكام لأن مشروع القانون الجديد به إنصاف للمرأة والطفل، كما أن فيه كل ما يمكن أن يكون إنسانيا من الأنظمة المتعلقة بالأحوال الشخصية.

*هل استعانت هيئة كبار العلماء بعناصر خارجية عند إعداد القانون؟

الأزهر عمد خلال إعداد القانون إلى الاستعانة بقضاة من الذين يحكمون في قضايا الأحوال الشخصية، ومحامين ومستشارين، وكانت المواد تعرض على كل هؤلاء مع أعضاء الهيئة، وكذلك تم الاستعانة بأعضاء من المجلس الأعلى للمرأة، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف عندما طلب هؤلاء الأعضاء من المجلس اشترط أن يكونوا ممن يحملون وجهة نظر مخالفة للأزهر، حتى يتم عرض الرأي والرأي الآخر للمواد، فهذا القانون يعد بمثابة قانون للمجتمع أجمع شارك في صياغته العديد من المؤسسات التي لها علاقة بالأحوال الشخصية، كما أن الأزهر لا يمتلك سلطة إصدار القانون، وقد أرسل تصويره بالفعل إلى مجلس النواب لدراسته.

*كيف ترى دعوات تنقيح كتب التراث؟

كلمة «التنقيح» مفهومة خطأ لدى البعض، فالطريقة التي ينادي بها البعض لاستخدامها في عملية تنقيح كتب التراث وغيرها من الكتب التراثية طريقة همجية، لأنهم يقولون مثلا إنه لا بد من استبعاد بعض الأحاديث منه، وهذا أمر لا نملكه، فنحن لا نملك أن نحذف أو نضيف أي أحاديث، ولكننا نملك توضيح بعض الأمور للناس في كلام منفصل، لكن فكرة حذف بعض الأحاديث من التراث هو أمر خطأ من الناحية الفكرية، وللأسف المكتبات في الدول الأوروبية بها من النسخ الخاصة بصحيح البخاري أكثر مما تحتويه المكتبات في العالم الإسلامي، فألمانيا على سبيل المثال بها 80 مجلدا يحتوي على فهارس الكتب، ففى حالة تنفيذ فكرة حذف بعض أحاديث البخارى التي ينادون بها من النسخ التي نملكها فكيف هو الحال في النسخ الموجودة بالخارج؟ كما أن مسألة التعرض لكتب التراث والحديث عنها هي مسألة قديمة منذ أيام السيدة عائشة رضى الله عنها من بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكن أن نصدر للناس أن مفهوم التنقيح هو حذف الأحاديث من الكتب، فهذا الكلام ليس طريقة ثقافية أو حضارية أو إنسانية، وإنما هو طريقة شخص محدود التفكير لا يصلح أن يقود فكرًا، لأن الطريقة الصحيحة ليست كذلك، وكما قلت صحيح البخاري نسخه موجودة في كافة دول العالم، فماذا يفيدنا حذف كلمة من نسخ نمتلكها نحن؟!

*كيف ترى مفهوم تجديد الخطاب الديني؟

مفهوم «التجديد» هو سبب المشكلة المثارة في الشارع المصري حاليا، فلم يتقدم لنا شخص واحد ويخبرنا أنه هناك مشكلة أو أزمة معينة نحتاج لتجديد فيها، وإنما هي دعوات للتجديد فقط دون ذكر أو تحديد المسائل التي تحتاج إلى تجديد بالفعل، فأنا أدعو من يتعرض للحديث عن مسائل التجديد أن يأتي بالمسائل والقضايا التي يرى أنها تحتاج إلى تجديد، ويطلب منا أن نقوم بها أو نناقشها، التجديد في حد ذاته مفهوم خاطئ، فعلى سبيل المثال البعض ينادي بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، ويرى أن هذا من باب التجديد، وهذا خطأ لأن المساواة في الأصل هي ظلم للمرأة، لأن هناك حالات كثيرة المرأة تأخذ أكثر من الرجل عند تقسيم الميراث.

 *لكن البعض يستخدم قضية تجديد الخطاب الديني لشن هجوم على المؤسسات الدينية.. فكيف ترى ذلك؟

أنا لدى سؤال مهم أود أن أطرحه على من يهاجمون المؤسسات الدينية في ذلك وهو «ما هو الشيء الذي يرونه يحتاج إلى تجديد في الدين؟» وينبغى هنا أن يكون الرد والكلام محددا وليس مجرد كلام مرسل بشكل عام، فهناك نوع من المغالطة لدى الناس، وللأسف التجديد أصبح بمثابة «موضة» وظهرت مؤخرًا، وللأسف نحن شعب لا نقرأ ولا ندرس تاريخنا وإنما «نعوم مع العائم».

*وسط هذا الكم من الهجوم الذي يمكن وصفه بـ«الممنهج».. هل تعتقد أن المجتمع والشارع لا تزال لديه ثقة في المؤسسات الدينية المصرية؟ المؤسسات الدينية باقية وموجودة ومن يلجأ إليها لا ترده ومن أعرض عنها فهي لا تستميل أحدا.

*كيف ترى الهجمات التي يتعرض لها الأزهر الشريف بين الحين والآخر؟

للأسف هذه الهجمات سوف تستمر طالما أن التركيبة المتواجدة التي ذكرنا منذ قليل، وشيخ الأزهر سيبقى كما هو بمبادئه وأعماله ووطنيته وقيمته الدينية والاجتماعية والعلمية رغم أي هجوم، والرجل لا يقاوم تلك الهجمات، فالهجوم على شيخ الأزهر مقصود به الهجوم على الدين نفسه، لأنه رجل يمثل الدين فعلا وقولا، ونحن لا نملك أن نقول للذي يهاجم لا تهاجم، لكن سيظل شيخ الأزهر الهجوم عليه لا يضره وإنما يضر صاحبه، وأنا أدعو الجميع أن يقرأ أين كان الأزهر وأين كان كل هؤلاء.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"

الجريدة الرسمية