كلام في التعديل الوزاري الأخير
ربما يكون من غير الإنصاف الحكم بعدم الرضا عن التعديل الوزاري الأخير، وقد يكون من الإنصاف الانتظار حتى نري مردود هذا التعديل علي السياسة العامة للوزارة كلها، وبالتالي علي الشعب.صحيح رؤية الدولة تختلف عن رؤية الفرد حسب اختلاف ترتيب الأولويات، ويمكن أن نتفهم وجود أسباب كثيرة تستدعي أي تعديل أو تغيير لا نراه في مكانه.. في النهاية هي رؤية قيادة وحكومة مسئولة عن اختياراتها !
ومع ذلك لا يمكن تجاهل ما يدور في أذهان الناس الذين يشكلون الرأي العام الواجب اتخاذه في الاعتبار أو علي الأقل الاسترشاد به..وقبل الحديث عما دار ويدور في أذهان الناس من تساؤلات أظنها مشروعة رغم غياب الأجوبة عليها.. فإننا في مصر -ومنذ زمن بعيد– لا نعرف لماذا وبأي معايير يأتي مسئول (وزير أو محافظ أو رئيس حي أو رئيس مدينة.. أو ما في حكمهم) ولا نعرف كذلك لماذا وبأي معايير خرج المسئول من وظيفته باستثناء من يسقط منهم بسبب رشوة أو فساد ظهر علي السطح رغما عنه أو بملاحقة رقابية؟
ولعل ما يطرح السؤال الخاص بمعايير الاختيار والنجاح والفشل في المهمة هو ما نراه يتكرر في كل تعديل أو تغيير في الوزراء والمحافظين.. وهو ما يعطي مشروعية لتساؤلات الرأي العام في كل مرة تغيب فيها الإجابات!في التعديل الأخير مجموعة من الملاحظات والأسئلة المتداخلة منها علي سبيل المثال لا الحصر :
اقرأ ايضا: استنساخ التصريحات.. والمسئولون الجدد
* هل تراجعت الرؤية للاستثمار لتصبح ملفا يشرف عليه رئيس الوزراء بجانب عمله بعد كل الجهد الذي تم بذله لتهيئة مناخ صالح لجذب الاستثمار بقوانين وتشريعات وبنية تحتية انفق عليها مليارات إذا كنا نعول بشكل كبير علي جذب استثمارات خارجية وهو ما يحتاج إلي حركة واسعة ونشاط متصل لوزير مسئول يجوب العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا للبحث عن مستثمرين؟ .. هل من حق الرأي العام معرفة لماذا فشل المسئول عن الاستثمار خلال الفترة السابقة خصوصا بعد أن صرح الرئيس بذلك؟
* هل يملك رئيس الوزراء الوقت والجهد الكافيان لذلك مع كل متابعاته للوزارة والمشروعات القومية الكبيرة التي لم ينته العمل فيها ؟
* مصر لن تخرج من أزمتها الاقتصادية إلا بالتصنيع خصوصا الصناعات الإستراتيجية الكبيرة وفيها التصنيع الزراعي بجانب الصناعات المتوسطة والصغيرة، وأظن أن رؤية الدولة تسير في هذا الاتجاه مما كان يستلزم اختيار وزير عنده رؤية وقدرة وخبرة لها علاقة مباشرة بالصناعة والتصنيع.. فهل خبرة وزيرة الصناعة والتجارة التي اكتسبتها من تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعمل المعارض المتواضعة تؤهلها –رغم احترامي لها– لأن تقود الصناعة ومعها التجارة لتقف مصر علي عتبة التصنيع الكبير؟
واقرأ ايضا: إنهم يغتالون الجَمال !
* السياحة ركن مهم في الدخل القومي وتراجعها الكبير منذ أحداث يناير ترك أثرا سلبيا واضحا علي الدخل القومي، والحمد لله بدأ قطاع السياحة يتعافي ويسترد دوره وكان للوزيرة رانيا المشاط جهدا ملحوظا فيه وقد تمرست فيه بشكل كبير واكتسبت ثقة دولية في التعامل مع عناصره الخارجية، فهل المنطق يقول بنقلها من وزارة نجحت في إدارتها إلي وزارة أخري أم البقاء عليها لاستكمال النجاح وتثبيته خصوصا في نشاط يتأثر بأي تذبذبات سياسية سواء اقليمية أو دولية؟ وهل استنساخ تجربة نجاح مسئول يمكن أن تتكرر بنفس القدر رغم اختلاف النشاط؟.. الملاحظة تنسحب علي الوزيرة رانيا المشاط وعلي الوزير خالد العناني وزير الآثار بعد نقل المشاط إلي التعاون الدولي وإضافة السياحة للعناني الذي بذل جهدا ملحوظا وكبيرا في الآثار .
* السياحة ليست فقط سياحة الآثار أو السياحة الثقافية، فالتقارير السياحية والإحصاءات تعطي النسبة الأكبر للسياحة الشاطئية والترفيهية بما يعني أن السياحة ستتحول إلي ملف في وزارة الآثار يتولاه نائب وزير أو مسئول هيئة تنشيط السياحة التي يطالب رئيس الوزراء بعودتها من جديد !
واقرأ ايضا: كلام فى السياسة
* التكامل مطلوب ودمج الوزارات مطلوب بشرط تحقيق النجاح واختيار الكفاءة التي تحقق النجاح في الوزارات المدمجة بنفس القدر .. التكامل بين السياحة والطيران ودمجهما كان الأنسب .
توقعات الناس في التغيير كانت كبيرة وتكهنات خروج وزراء وتعيين وزراء جاءت علي غير التوقعات التي بالقطع تخضع لوجهات نظر فردية في الغالب بعضها عاطفي والبعض الآخر لأسباب متعددة منها بعض التصريحات غير المناسبة لوزراء بعينهم مثل وزراء التموين والتعليم ، وإخفاق البعض في التعاطي مع الرأي العام بمهارة وحنكة، والملل من بعض الوجوه التي لم يشعر بها الناس قولا أو فعلا !
في كل الأحوال ستظل عمليات التعديل والتغيير في مناصب الوزراء والمحافظين محل جدل بين الرضا وعدم الرضا عنها طالما لا يعرف الرأي العام لماذا جاء المسئول ولماذا رحل خصوصا عندما يكون ناجحا في مكانه، ولماذا ينتقل من وزارة لأخرى ؟
بالمناسبة وزراء الحكومة جميعا ممن ينطبق عليهم وزراء التكنوقراط وليس وزراء سياسيين والمعني واضح لا يحتاج تفسير أو تأويل وعليه فإن السؤال هل مشكلة الزراعة في مصر تمويل أم رؤية وإستراتيجية ؟!
عام سعيد وكل تعديل ومصر بخير.. ونحتاج أن نجرب الاختيار بتحديد الأهداف وقياس قدرة المسئول علي تحقيق هذه الأهداف حتى تصبح المسئولية واضحة وتصبح المحاسبة موضوعية، ونقلل من وزراء الكراسي الموسيقية وننشر ثقافة أن خروج الوزير أو المحافظ ليس عيبا ولا تقليلا من قدره طالما كان شريفا وأدي دوره بنزاهة ونجاح وخدم وطنه قدر المستطاع من وقعه.