استنساخ التصريحات.. والمسئولون الجدد!
"العمل الميداني شعار المرحلة"، و"حلول غير تقليدية للمشكلات"، و"زيارات مفاجئة لكشف المستور"، و"تفعيل دور الشباب في المشاركة المجتمعية"، و"المواطن على حق.. وكلمة كله تمام ممنوعة"، و"خدمة المواطن شرف وواجب"، و"حل مشكلات الكثافة في المدارس"، و"تفعيل أجهزة التفتيش والرقابة لضبط الجهاز الإداري"، و"استكمال المشروعات المتعثرة واسترداد أراضي الدولة".
ما سبق نوعية من سيل التصريحات التي أطلقها المحافظون الجدد ونوابهم عقب التكليف وحلف اليمين مباشرة، وقبل الوصول إلى مكاتبهم في المحافظات والجلوس إلى معاونيهم أو مراجعة أي ملف من ملفات المحافظة التي سوف يعمل بها!
في مصر تستطيع بسهولة كبيرة توقع ما سوف يقوله الوزير الجديد أو المحافظ الجديد ونوابهم الجدد بعد التكليف وحلف اليمين.. فهي تيمة مصرية أظنها قديمة جدا!
وفي مصر نادرا ما يحدث، وربما لا يحدث على الإطلاق أن يسأل مسئول جديد –أي مسئول– عن اختصاصات وظيفته وحدود مسئوليته فيها، وهل تناسب قدراته ومؤهلاته أم لا؟
المسئول غالبا ما يكون معذورا سواء كان وزيرا أو محافظا أو رئيس حي.. فقد سارت الأمور على هذا النهج ردحا طويلا من الزمن، لذلك لا عجب عندما يتندر البعض ويقول أن أسهل وظيفة هي وظيفة الوزير أو المحافظ أو رئيس الحي، إذ ليس عليه غير إطلاق بعض التصريحات العامة التي تناسب أي وزارة أو محافظة أو حي، والوعد بما وعد به من سبقه ولم يحققه، وحبذا لو كرر هذه التصريحات بعض الوقت أملا أن يقتنع الشعب أنه مصمم على النجاح، وإذ لم يحدث –لا قدر الله– فلا جناح عليه فسيكون كسابقه أقصى ما يمكن أن يتعرض له -مع غياب المساءلة- هو الإقصاء من الوظيفة، والحصول على معاش جيد ولقب "سابق" يلازمه طوال حياته بمميزاته !
ربما لم نصل بعد –وأدعو الله أن نصل– إلى طريقة يتم بها تعيين المسئول مقابل تحقيق أهداف واضحة ومحددة يحاسب على عدم تحقيقها عند الفشل أو التقصير، وهو ما يعرف بالإدارة بالأهداف وليس بالنوايا الطيبة والتصريحات النارية، وحتى نتوقف عن الأسئلة الأزلية.. لماذا جاء هذا المسئول، ولماذا خرج؟ بأي معايير جاء، وبأي أسباب خرج؟ ما هي علامات نجاحه، وما هي أسباب فشله؟ وغيرها الكثير من الأسئلة.
في أمثالنا الشعبية نقول "البكاء على رأس الميت" عندما نريد حسم أمر أو حل مشكلة.. يعني سرعة الفصل والأداء وليس تأجيل النقاش وتسقيع الحلول!
في كل تعديل وزاري أو محافظين أو أي تعيينات في مراكز مرموقة وحساسة تنطلق التصريحات البراقة والرنانة التي لا يعبر معظمها عن قدرة قائلها في إنجازها، وغالبا ما تكون مستنسخة من تصريحات لمسئولين سابقين بنفس الجمل والكلمات والمعاني، وتلك عادة سيئة ومقيتة دأب عليها معظم المسئولين عند تولي منصب جديد، وكأن إطلاق التصريحات هي جواز المرور ومعيار الثقة فيه والإبقاء عليه طويلا.
ينسى هؤلاء دائما أن رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية يطالب ويكرر دائما في كل لقاء ومحفل بعدم التسرع وعدم التصريح عن أي عمل قبل الدراسة المتأنية والإلمام الكامل بالتفاصيل، ولعلنا تابعنا في مرات كثيرة توجيهات الرئيس للبعض من هؤلاء على الهواء وأمام الرأي العام في مواقف لا يحسدون عليها!
الغريب أن مسئولينا –الجدد منهم– لم يستوعبوا رسائل الرئيس، ولم يتعلموا كيف ومتى يطلقون التصريحات ومتى يمتنعون للدراسة والفهم، وهل قرأ أي مسئول من المحافظين الجدد ونوابهم ملفا واحدا من ملفات محافظته أو تعرف على مشاكلها حتى يعد بما لا يستطيع تحقيقه.
آفة التصريحات التي ترفع سقف الطموح والآمال عند الناس يجب أن تتوقف، وأن يعلم هؤلاء المسئولين أن الوظيفة تكليف وليس تشريف وأنها ليست مكافأة..
رفقا بالوطن وبالشعب وبأنفسكم قبل أن تحاسبوا.