إمامة الوزير باطلة!
تلقيتُ ردوداً وتعقيباتٍ من أهل العلم والاختصاص، على مقال الاثنين قبل الماضى الذى نصحتُ فيه مُخلصاً "وزيرَ الأوقاف"، بعدم الإصرار على إمامة المصلين فى صلاة الجمعة؛ بسبب تعثره اللافت فى نطق حرف "الراء"، ما يُفسدُ التلاوة، ويهدرُ خشوع الصلاة على المُصلينَ، فيثيرُ الشفقة حيناً، والسخرية أحياناً، لا سيَّما أنه يتعمدُ اختيارَ الآياتِ والسُّوَر المُتخَمة بحرف "الراء"، وناشدتُه ناصِحاً تركَ الإمامة لمَن يستحقونها ممن يُجمعون بين القراءة الصحيحة والصوت الخاشع، وهما الصفتان اللتان يفتقدهما "الوزير/ الخطيب/ الإمام" بامتياز مُنقطع النظير.
بعيداً عن احتفاء أصحاب تلك الردود بما وردَ فى المقال، وبما اعتبروه "غِيرة" من كاتب السطور على كتاب الله تعالى، وصوناً له من العبث واللحن والتحريف والتخريف، فإنَّ الرسائلَ، التى تلقيتُها، أجمعتْ على عدم جواز إمامة "الألثغ" و "الألكن" و"اللحَّان" للمُصلين فى الصلوات الجهرية، مُستدلةً بأدلةٍ وأسانيدَ شرعيةٍ صحيحةٍ، لا تقبلُ التأويل، ولم تُبحْ إمامته إلا فى حالة وحيدة وهى أن يكونَ الإمامُ والمأمومون "عاجزين".
اقرأ أيضا: رسالة الى صاحب الفضيلة معالى الوزير
الرسالةُ الأولى.. شددتْ على أنَّ "الذي لا يُحسنُ قراءة الفاتحة لا ينبغي أن يكونَ إماماً"؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ"، و "الأقرأ" هو الأحسنُ قراءةً والأكثرُ حفظاً، وهو ما لا ينطبق بطبيعة الحال على "معالى الوزير"؛ بسبب لثغته الواضحة لكلِّ صاحبِ أذنين!
كما نوهتْ رسالة ثانية إلى أنه لا تجوزُ الصلاةُ خلفَ مَن لا يُحسنُ قراءة الفاتحة، كأن يُسقطَ حرفاً، أو يُبدلَ حرفاً بآخرَ، وقد فصَّلنا القولَ فى ذلك تفصيلاً، فى المقال المذكور، ودللنا على ذلك بتلعثُم "الوزير/ الإمام" فى نطق كلمات: "رب/الرحمن/ الرحيم، الصراط/ صراط/ غير"، ومن ثمَّ.. فإنَّ إمامة الوزير لا تصحُّ ولا تجوزُ.
وأفتتْ رسالة ثالثة بأنَّ هناك اختلافاً بين أهل العلم بشأن صحة الصلاة خلف "الألثغ"، ومَن فى مثل حاله، وإن كان "الأوْلى أن يُقدِّمَ غيرَه للإمامة"، وهو ما لا يُحبذه ولا يفعله ويقاومه بشدة "الوزير/ الإمام".
وجاء فى رسالة رابعة أنَّ "ابنَ حزم"، رحمه اللهُ قال: "وأمَّا الألثغُ , والألكنُ, والأعجميُّ اللسان, واللحَّانُ، فصلاة مَن ائتمَّ بهم جائزة، لقول الله تعالى : "لا يُكلفُ الله نفسًا إلا وسعَها"، فلم يُكلَّفوا إلا ما يَقدرون عليه , لا ما لا يقدرون عليه , فقد أدَّوا صلاتهم كما أُمروا , ومن أدى صلاته كما أُمر فهو مُحسن، لقوله تعالى: "ما على المُحسنين من سبيل"، غيرَ أن الرسالة انتهتْ أيضاً إلى أولوية إمامة "صحيح اللسان والأداء" على مَن سواه، وإن كان وزيراً، أو شيخاً للوزراء!
واسترشدتْ رسالة خامسة بفتوى الشيخ "ابن عثيمين" التى انتهتْ إلى أنَّ "بعضَ أهل العلم يروَن أن الألثغَ، إذا كانت لثغتُه بإبدال الحروفِ، بعضِها ببعض ، كأنْ يُبدلَ الراءَ، فيجعلها غيناً، أو يجعلها لاماً، أو ما أشبه ذلك، لا تصحُّ إمامته؛ لأنه بمنزلة الأميِّ الذي لا تصحُّ إمامته إلا بمثله"، وهو ما لا يروقُ لمعالى "الوزير/ الإمام" أنْ يقرأه أو يسمعَه أو يعظَه به أحدٌ.
واقرأ ايضا : زمنُ الإفكِ.. ورجالُه
وقالتْ رسالة سادسة إنَّ إمامة "الألثغ" و"الألكن" و"اللحَّان" قد تصحُّ فى حالةٍ واحدةٍ، ولكنْ إذا كان جميعُ المأمومين عاجزين مثله، وهو ما يستحيلُ حدوثُه فى بلد الأزهر الشريف، فما أكثرَ مَن يتلونَ كتابَ الله حقَّ تلاوتِه، ولكن يبدو أنَّ "الوزير/ الإمام" لا يعترفُ بهم.
واستندتْ رسالة سابعة إلى ما قاله "النووىُّ"، بأنه "لا تجوزُ ولا تصحُّ إمامة مَن لثغته شديدة، بحيث يُبدِّلُ حرفاً بحرفٍ، لا سيَّما، إن كان هذا الحرفُ في "الفاتحة". واستطردتْ الرسالة: " تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاةِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا وَتَشْدِيدَاتِهَا . . فَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا مِنْهَا أَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ مَعَ صِحَّةِ لِسَانِهِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ، ولا يَجُوزُ الاقْتِدَاءُ بِهِ بِلا خِلافٍ "، وهذا ما لم يسمعْ به "الوزير/ الإمام" من قبلُ.
واستعانت رسالة ثامنة برأى "ابن قدامة": " وَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ ; لِعَجْزِهِ عَنْهُ, أَوْ أَبْدَلَهُ بِغَيْرِهِ , كَالأَلْثَغِ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْنًا . .إِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى إصْلَاحِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ , لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ , وَلا صَلاةُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ "، فهل بمثل هذا تقرُّ عينُ "الوزير/ الإمام"؟! إنَّ ما تقدمَ غيضٌ من فيضِ ما تلقيتُ من رسائلَ وردودٍ وتعقيباتٍ على "إمامة الوزير"، ولكن ما هالنى وأزعجنى وآلمنى حقاً وصدقاً، هو أنَّ أصحابها أصروا على عدم ذكر أسمائهم، لا تلميحاً أو تصريحاً؛ لا سيَّما مَن يخصعون منهم للوزير بشكل مباشر ويأتمرون بأمره، ويأتمَّونَ به، رغم أنوفهم، فى صلاته، خوفاً من بطشه وعقابه، حيثُ يضيق صدر "معاليه" بالنقد، ولكنه – على حد قولهم- يتَّسعُ فقط لعبارات المدح والإطراء والثناء.
وعلى أية حالٍ.. فإنَّ الغيرةَ على كتاب الله، ولا شيء آخر، هى ما دفعتنى من قبلُ، وتدفعنى الآن ومُجدداً، إلى التنبيه إلى ضرورة الحفاظ على كتاب الله، من هذا العبث واللحن؛ ولا خيرَ فينا إنْ لم نقلها، آمِلاً أنْ يضرب "الوزير/ الإمام"، المثل الأعلى والأسوَة الحسنة، بأن يتوبَ إلى اللهِ مَتاباً، عن إمامة المصلين، ويتركَ هذا الأمرَ برمته، إلى أصحِّاءِ اللسانِ والحفظِ والصوتِ، وما أكثرَهم، فمن المؤكد أنَّ الوزيرَ لا يحصلُ على "مكافآتٍ أو حوافزَ ماليةٍ إضافيةٍ" نظيرَ " احتكار الإمامةِ"، ومن المؤكد أيضاً أنَّ من تولوا وزارة الأوقاف قبله، لم يفكروا يوماً فى منافسة الدُّعاة المُفوَّهين على المِنبر، ولا الأئمة الحافظينَ على القِبلة.. واللهُ من وراءِ القصد، وهو يَهدِى السبيلَ.