رسالة إلى صاحب الفضيلة معالى الوزير
صاحبَ الفضيلة، معالىَ وزير الأوقاف، السلامُ على مَنْ اتَّبعَ الهُدى، هذه رسالتى بين أيديكم، ناصحا مُخلصا، لعلكم تقبلونها بقبول حَسَن، أو لا تقبلونها، فالأمرُ إليكم.
معالى الوزير.. لا يختلفُ اثنان، أو يتناطحُ عنزان، بشأن جهودكم المشكورة، ومساعيكم المحمودة، فى سبيل تجديد الخطاب الدينى، وتأميم المنابر، وتوحيد الخطب، حتى وإنْ قلَّلَ القوم من تأثيرها، فهم حاقدونَ حاسدونَ ناقمونَ، فلا يضرُّكم من ضلَّ إذا اهتديتم.
معالى الوزير.. إنكم تطوفون البلاد طولا وعرضا، وتتنقلون بين مساجدها، ولا تستنكفون أن تلقوا خطبة الجمعة داخل أصغر زاوية، بأصغر حارة، فى أبعد محافظة، برفقة الإذاعة والتليفزيون، ليس بحثا عن شهرة، لا سمحَ اللهُ، ولكن حتى تعُمَّ الفائدة، ويصلَ علمكم الغزير المُتنامى، إلى المتعلمين والأميين، الكبار والصغار، الرجال والنساء، وصولاً إلى الأجنَّة فى بطون أمهاتهم.
معالى الوزير.. قد أثبتم علميا أنَّ رجلَ الدين قادرٌ على أن يكونَ سياسيا لامعا، والسياسىَّ يمكنه أن يغدو رجل دين نافذاً، وأنَّ خلط "الدينى" بـ"السياسى"، و"السياسى" بـ"الدينى"، لم يُصبحْ من المُحرمات أو الممنوعات، كما أفهمونا فى سابق المناسبات.
معالى الوزير.. إنَّ جهودَكم الخرافية فى سبيل تجديد الخطاب الدينى، تثيرُ الشفقة، فما تقومون به بمفردكم، لا يستطيع فعله نفرٌ من الرجال الأشداء، ولو كان الأمرُ يسيرا لجرى استنساخكم نُسخا عديدة، ليصبح فوق كل منبر نسخة من فضيلتكم، فما تحوزونه من علوم، لا يحظى به عموم الدعاة والوعاظ فى بلاد الألف مئذنة والأزهر الشريف.
معالى الوزير.. لقد تقطعتْ بى السُّبلُ، الجمعة الماضية، فلم أصلِّ الجمعة فى المسجد، وساقنى حظى السعيدُ إلى الاستماع إلى خطبتكم الجامعة المانعة عبرَ المذياع، فأدركتُ السرَّ فى إصراركم على تأميم المنابر، وتوحيد الخطب، والسعى إلى ترجمتها بكل لغات العالم، وإن كان قد استعصى علىَّ فهمُ بعضها أو كلها، فإنَّ هذا وزرى لا وزركم، فإنما خُلقتْ الأوزارُ لأمثالنا، وليس لأمثالكم، حاشا لله، ولكن ما أزعجنى -معالى الوزير- أنكم تصديتم بعد الانتهاء من خطبة الجمعة لإمامة المصلين، وهذا جهدٌ مضاعفٌ، لا يستطيع كثيرٌ من البشر عليه صبراً، وتلك مَشقة لا تتحملها الجبالُ الرواسى.
واقرأ أيضا: على هامش تغيير "المحافظين" وتعديل "الوزراء"
معالى الوزير، لا أخفيكم سرا، أنه فور شروعكم فى النطق بـ "تكبيرة الإحرام"، ومنها إلى قراءة الفاتحة، ثم خواتيم سورة "الكهف" فى الركعة الأولى، وسورة "العصر" فى الركعة الثانية، أصابنى ارتباكٌ وتوترٌ، وشعرتُ أنى "اسنجِّيت"، وهذه تعنى فى لغة العوام: "فقدتُ السمع، أو ألمَّ بحاسة السمع مرضٌ شديدٌ".. راجع فيلم "اللى بالى بالك"، لا سيَّما أنَّ تعثرَكم فى نطق حرف "الراء" أفسدَ تلاوتكم الكريمة للآياتِ المُتخمة بالحرف المذكور، فصارت كلمة "رب" هكذا: "يب"، و"الصراط" هكذا: "الصياط"، وقس على ذلك البواقى، ولا شكَّ أنكم تتفقون معى –معالى الوزير- فى أنَّ هذا عبثٌ لا يليقُ بجلال القرآن الكريم الذى يقول: "الَذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ، أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ"، وقياساً.. فإنَّ من يتكاسلون أو يتهاونون فى تلاوته مُقصرون وآثمون ومُنفِّرون..
معالى الوزير.. تعلمون واقعة تشريع الأذان، وكيف أنَّ النبى الكريم أمر "عبد الله بن زيد"، بأن يُعلِّمَه بلالاً؛ لأنه أندى منه صوتاً، فما بالكم بكتاب الله وقداسته؟
واقرأ أيضا: الله .. في عصر العلم "3"
معالى الوزير.. أعلم أنكم تحرصون على إمامة الناس؛ لأنكم أوفرُ أهل الأرض عِلماً بالقرآن الكريم، ولا تجدون أهلاً للإمامة سواكم، فقد عقمتْ مصرُ من بعدكم، ولكنَّ تعثركم اللافتَ فى نطق حرف "الراء"، يفسدُ التلاوة، ويهدرُ خشوع الصلاة على المصلين والمستمعين، فيثيرُ الشفقة حيناً، والسخرية أحياناً، وهو ما لا يليقُ بمقامكم الرفيع.
معالى الوزير.. أعلم أنكم لا تمتلكون موهبة مؤسس فرقة المعتزلة "واصل بن عطاء"، الذى كان يعانى من صعوبة فى نطق "الراء"، ولكنه كان أفصح أهل زمانه، وتحتفظ المصادر التاريخية له بخُطبة مُرتجلة تخلو جميع كلماتها من الحرف المذكور؛ لذا صار معروفاً بين قومه بـ "الغزال الألثغ"، ولكن لا حرجَ فى أن تتشبهوا به ذكاء وفطنة ودهاءً، وهل فى مصر كلها مَن هو أكثرُ دهاءً وذكاءً من فضيلتكم؟
كان "واصل"، فى عصور ما قبل الثورة التكنولوجية ومُحركات البحث المجانية، يُحسنُ تدارُكَ هذا العيب المُحرج في النطق، فيتجنبُ حرف “الراء” إلى ما سواهُ من الحروف، فيجعل “البُرَّ” قمحاً، و”الفراش” مضجعاً، و”المطر” غيثاً، و”الحفر” نبشاً، ولكنكم لا تفعلون؛ إهمالاً أو عجزاً، أو انشغالاً بمهامكم المتعددة وطموحاتكم السياسية الواسعة وغير المحدودة.
معالى الوزير.. هل تتواضعون وتكتفون بإلقاء الخطب والدروس والعظات، وتتركون الإمامة، لمن يحفظون للقرآن الكريم، هيبته وجلاله ووقاره، بالنطق السليم والصوت الجميل، وعفى اللهُ عما سلفَ، أم تصرون على ما أنتم عليه؟!
وتفضلوا معاليكم بفائق وعظيم الاحترام.