على هامش تغيير "المحافظين" وتعديل "الوزراء"
لا أحدَ يعرفُ فِيمَ يأتى المحافظُ، ولِمَ يرحلُ، ولا أحدَ يفهمُ لماذا يأتى وزيرٌ ولماذا يرحلُ. الأمورُ، كعادتها دومًا، تمضى خبطَ عشواءَ. لا أحدَ يحاسبُ مَنْ اختارَ، ولا أحدَ يحاسبُ مَن فشلَ. طبيعةُ الاختياراتِ، في كلِّ مرَّةٍ، تعكسُ عدمَ الجديَّة، وكأنَّ منصبى "الوزير" و"المحافظ" لا يستحقانِ التدقيقَ الشديدَ عندَ الترشيح والاختيار، أو أنه يتمُّ التعاملُ معهما باعتبارهما "مُكافأة نهاية الخدمة". الترضيةُ والمجاملةُ والثقة المُطلقة، ولا شيءَ غيرُها، تحكمُ عملية الاختيار، ولا انحيازَ لخبرةٍ أو كفاءة.
في حركة المحافظين الأخيرة مثلًا.. الأسوأ لم يرحلْ، والأفضلُ لم يبقَ. استمرارُ محافظِ "الجيزة" في منصبه، بعد 14 شهرًا متصلة من الفشل والتردى الإدارى المشهود في جميع أنحاء المحافظة، يُشبهُ تجديدَ الثقة في "حسام البدرى" على رأس القيادة الفنية لمنتخب مصر الأول، أو الاحتفاظَ بـ "ميتشو" على رأس الجهاز الفنى للزمالك.
الغموضُ لا يزالُ، وسوف يبقى، سيدَ الموقف. الغموضُ هو الحاكمُ بأمره. الخللُ الذي يسودُ كثيرًا من محافظاتِ مصرِ، ناجمٌ -في الأساس- عن الاختياراتِ العشوائيةِ الساذجةِ المرتبكةِ المتسرعةِ. لو خضعتْ اختياراتُ الوزراء والمحافظين، ونوابهم ومعاونيهم، لضوابطَ ومعاييرَ حاكمة، لتغيَّرَ وجهُ الحياة تمامًا، ولكنَّ الإصرارَ على اختيار مثل محافظِ "الجيزة" الحالى، ثمَّ الإصرارَ على استمراره رغم فشله الذي يشهدُ به القاصى والدانى، يرسمان صورة حقيقية لواقعٍ بائسٍ مريرٍ، في اختيار المسؤولين وأصحاب المناصبِ والمقاماتِ الرفيعة.
في السنواتِ التي أعقبتْ الثورتين الأخيرتين.. لم يتوقفْ الرأىُّ العامُّ عند محافظٍ بعينه، لا أحدَ استطاعَ أن يلفتَ إليه الأنظارَ، لا أحدَ قدمَ أداءً مختلفًا، لا أحدَ نقلَ محافظته إلى وضعيةٍ أفضلَ. معظمُهم، إن لم يكن جميعُهم، يتنافسون في الفشل، وفى ذلك.. لا يتنافسُ المتنافسون!
معَ كلِّ "حركةِ محافظين"، أو" تعديلٍ وزارىٍّ".. يأملُ المواطنون في أن تكونَ هناك اختياراتٌ تصادفُ أهلها، وأنْ يكونَ هناك "محافظ لقطة" أو "وزير اكتشاف"، ولكنْ ليسَ كلُّ ما يتمناهُ الشعبُ يُدركُه.
الحركة قبلَ الأخيرةِ للمحافظين، التي جرتْ قبلَ 14 شهرًا، جلبتْ لنا محافظًا لمُحافظة كبيرة اقتصرَ دورُه على ارتداء "بلوفر شبابى"، وتقبيلِ الأيادى والرءوس، في المُناسباتِ الحزينةِ والسعيدةِ، والجلوس على سُلَّم ديوان المحافظة، ولا شئَ سوى ذلك، ومحافظًا قبطيًا لا يشغله سوى حضور شعائر صلاة الجُمعة عندَ البثِّ التليفزيونىِّ فقط، ومحافظًا ثالثًا كان ينفقُ وقته "الرسمى" في مكالماتٍ رومانسيةٍ مُخجلةٍ، ومحافظًا رابعًا لا يُجاريه أحدٌ في فشله وهو محافظ "الجيزة" الحالى.
وما ينطبقُ على المحافظين، ينطبقُ أيضًا على الوزراء، ومِن ثَمَّ فلنْ يكونَ غريبًا عندما تلمسُ ارتباكًا واضحًا، وقفزًا جنونيًا إلى الخلف، لا تُخطئه العيونُ، في ملفاتٍ مُهمةٍ مثل: "الصحة" والتربية والتعليم" و"التعليم العالى" و"الاستثمار" و"البيئة".
تارةً.. يميلُ الاختيارُ إلى مَن يجيدُ التنظيرَ وحُلوَ الحديثِ، حتى لو لم يكنْ ذا خبرة حقيقيةٍ، وسيرة ذاتيةٍ لامعةٍ مثل: وزير التعليم الحالى، وتارةً أخرى يميلُ إلى مُضاعفة "كوتة النساء"؛ لاسترضائهنَّ، وتارة ثالثة إلى الأصغر سِنًا، لمجرد أنه الأصغرُ سنًا، دونَ الالتفاتِ إلى خبرتِه وكفاءتِه وقدرته على الإنجازِ. أما مفرداتُ "الخبرة" و"الكفاءة" و"الجدية" فلا وجودَ لها في قاموس الترشُّح والاختيار!!
بقاءُ عملية اختيار الوزراء والمحافظين ونوابهم ومعاونيهم، بلا ضوابطَ حاكمةٍ. واستنساخُ الفشل، مرةً بعدَ مرةٍ، وعدمُ التراجُع عن الخطأ في الوقتِ المناسبِ، وحصرُ الاختيارات في فئاتٍ وقطاعاتٍ محدودةٍ جدًا، لا تتجاوزُ ثلاثة.. كلُّ ذلك سوفَ يؤدى في نهايةِ المطاف إلى تجاربَ لا تقلُّ بؤسًا عن تجربة محافظ الجيزة.
اللواءاتُ، ومحافظُ "الجيزة" أحدُهم، والقضاةُ، لم يقدموا خلالَ السنوات الطويلة الماضية، "أداءً استثنائيًّا" على صعيد منصبى: "الوزير" و"المحافظ"؛ لأسبابٍ كثيرةٍ جدًا، سبق ذكرُها مرارًا وتكرارًا. الاستثناءُ الوحيدُ كان يأتى على استحياءٍ من "أساتذة الجامعة". فهل عقِمتْ مصرُ ذاتُ المائةِ مليونِ نَسَمَةٍ، أمْ أنَّ طريقة الاختيار هي التي لا تزالُ عقيمةً، وتُصرُّ على أنْ تبقى عقيمةً؟!