لحظة انتحار
وحش الفراغ ينشب أظافره بين حنايا القلب الصغير، وينشر كآبته ظلاما دامسا يحجب الرؤية، وغول الألم يتسرب في شريان الحياة فيحيلها دفقات من السواد القاتم، لحظة يتمدد فيها الأمل طريحا على الطريق يحول دون المرور، وكلاب ضالة تنهش في لحم الصبى الضعيف، لا يقوى على الممانعة، لا يقدر على النهوض، ينهار شيئا فشيئا، يستسلم، يصبح الموت ملاذا آمنا من الألم.. يقرر الانتحار!!
مدارسنا كئيبة، إعلامنا سوداوي، جامعاتنا عابسة، بيوتنا مضغوطة، شوارعنا فوضوية، مياديننا حزينة، كل شيء يبعث على فقد الأمل وغدنا لا يلد حلما لشباب وظيفته أن يحلم، كل العلامات وجميع الإمارات تدفع الأبناء للخلاص من حياة ليست أمتع من الرحيل، أب منشغل بما يتصور أنه شغل وأن منهكة في مفاضلة الأسعار وتدبير ميزانية الحياة ، ونخبة تصب الزيت على النار، وأمل طالت غيبته بين غياهب المستقبل المشكوك في ولادته.
الرقابة الإدارية وصفقة الجرارات المشبوهة
لكل هذه الأسباب نقرأ أخبار الانتحار اليومى بلا دهشة، نعتاد فكرة الخلاص من الحياة يوما بعد يوم، حتى تصبح روتينا مثل نشرات الطقس اليومية.. لا الجامعات تحركت ولا الإعلاميون تدارسوا الظاهرة، ولا علماء الاجتماع اجتمعوا، ولا رجال الأزهر والكنيسة انتشروا بين الناس، ولا النخب المحنطة تفاعلت مع الأمر ولا الآباء والأمهات نظروا في المرآة، ولا المدارس تزينت بأنوار الأمل والحياة والبهجة، ولا السينمائيون تدارسوا جرائمهم.
مدفوعون للانتحار هؤلاء الشباب، نعم مقتولون برصاص الإهمال، مذبوحون بخناجر اللامبالاة.. نتشارك جميعا في جرائم القتل اليومية، نتشارك صياغة مفهوم الموت المريح والخلاص المبهج من الحياة اليائسة، ندوس بلا رحمة على شرايين الحياة في قلوب هذا الجيل، نقطع أوردتهم بدم بارد، ننشر صور الضحايا ونستمتع بالحديث عن لحظات يصبح فيها الموت هو المعنى الجديد لحياة أبنائنا.