وصف بيان لوزارة الخارجية المصرية مباحثات واشنطن مع كل من إثيوبيا والسودان حول سد النهضة الإثيوبى التي جرت تحت رعاية أمريكية بالإيجابية.. ويمكن فهم ذلك في إطار ما تم التوصل إليه من نتائج لهذه المباحثات، التي اقتصرت ليوم واحد ولم تمتد ليوم آخر كما توقع بعض المراقبين والمتابعين، نظرا لكبر مساحة الاختلاف بين مصر وإثيوبيا حول فترة ملء خزان السد ونظام تشغيله.
فقد تم الاتفاق على عقد أربعة اجتماعات لوزراء الرى للبلدان الثلاثة مع الأطقم الفنية في غضون شهرين فقط، تنتهى في الخامس عشر من شهر يناير المقبل، بمشاركة لممثلين لأمريكا والبنك الدولى، يتم خلالها التوصل إلى اتفاق فترة ملء السد وأسلوب تشغيله وفقا لإعلان المبادئ الثلاثى الموقع عام ٢٠١٥.وتم الاتفاق أيضا على عقد اجتماعين في واشنطن لوزراء الخارجية للبلدان الثلاثة لتقييم مسار المفاوضات الفنية، وذلك يومى ٩ ديسمبر و١٥ يناير، والأغلب أن موعد الاتفاق الثانى تم اختياره لإعلان الاتفاق الذي من المتوقع أن تصل اليه المباحثات الفنية.
كما تضمنت النتائج كذلك لمباحثات واشنطن الاتفاق على العمل بالمادة العاشرة من اتفاق المبادئ، والتي تقضى باللجوء إلى وساطة طرف رابع بين الدول الثلاث: مصر والسودان وإثيوبيا.وهذه النتائج تعنى منح مهلة جديدة للجانب الإثيوبى محددة الوقت، ولا تتجاوز الشهرين للتوصل إلى اتفاق حول أهم مطلب مصرى وهو زمن ملء خزان السد وأسلوب تشغيل السد..
وبذلك يتم قطع الطريق على المحاولات الإثيوبية إلى لم تتوقف لاستهلاك الوقت وتمديد زمن التفاوض لأجل غير مسمى، حتى يتم الانتهاء من بناء السد، وذلك لفرض الأمر الواقع علينا، وهو ما رفضته مصر بقوة خلال المباحثات الأخيرة، وساعد على ذلك أنها عرضت بشكل جيد من خلال الفنيين على الأمريكيين والبنك الدولى وجهة النظر المصرية، ومطالبها العادلة التي تتفق والقانون الدولي والحقوق التاريخية المصرية في مياه نهر النيل وإعلان المبادئ الموقع في عام ٢٠١٥.
والأهم أنه تحسبا لعدم التوصل خلال هذه المهلة الجديدة التي تستغرق شهرين إلى الاتفاق المنشود حول تشغيل السد وملء خزانه بالمياه، فقد تم الاتفاق على العمل بالمادة العاشرة من من اتفاق المبادئ والتي تقضى باللجوء إلى وساطة طرف رابع.. ولعل ذلك يبين أهمية هذا الاتفاق الذي شكك فيه البعض.. فإن المباحثات الفنية الجديدة سوف تتم في إطاره، وإذا أخفقت سوف يتم اللجوء إلى الوساطة التي رفضتها إثيوبيا من قبل.
وإذا كنا قلنا من قبل إننا إزاء معركة تفاوضية كبيرة وليست سهلة مع إثيوبيا حول سد النهضة، وفى ظل انحياز سودانى لها، فإن مباحثات واشنطن التي جرت أمس تحت رعاية أمريكية وبمشاركة البنك الدولى، وربما بسببها، تعد بداية مقبولة مصريا، بعد أن وصلت مباحثاتنا من قبل إلى طريق مسدود، في ظل اتجاه إثيوبيا لفرض الأمر الواقع علينا، وهو الأمر الذي رفضناه وأعلنا ذلك بوضوح وحسم سواء قبل مباحثات واشنطن أو بعدها.
لكن علينا أن نكون متنبهين إلى أن أمامنا الكثير مما يمكن عمله دوليا، وهو الاستمرار في شرح وتوضيح قضيتنا العادلة التي يؤيدها القانون الدولى واتفاقات عديدة آخرها إعلان المبادئ عام ٢٠١٥، وأيضًا التلميح للجانب الإثيوبى بأن لدينا الكثير مما نفعله في معركتنا التفاوضية خاصة ما يتعلق بتدويل القضية واللجوء إلى عدد من المنظمات الدولية.وذلك لخلق جو تفاوضى ضاغط على الجانب الإثيوبى يفرض عليه التوقف عن المراوغة، ويدفعه إلى التوصل إلى اتفاق منصف وعادل يعترف بحقنا التاريخي في نهر النيل، ويحقق لإثيوبيا بحقها في التنمية..
كما يتعين أن ندير نقاشا ثنائيا بيننا والسودان أملا في التوصل إلى تفاهمات معه حول هذه القضية حتى تتوقف مساندته لإثيوبيا، وهو الأمر الذي لا يقبل به العديد من القوى السودانية بعد أن تغير النظام السياسي في السودان.