تاجر برتبة وزير
كنت خارج الحدود عندما جرى ما جرى في واقعة كمسرى القطار المخجلة، تابعت تفاعل وسائل التواصل الاجتماعى مع الحدث، وأدهشني ما طرحه منافقون تحت الطلب حول أرباح البائع الجائل، غير أن أكثر ما أثار انتباهى ذلك الحوار الذي دار بين أم مصرية لطفل "متوحد" والسيد "كامل الوزير" وزير النقل.
حيث بدا من الحوار أن امرأة مصرية تطرح على وزير مصرى قضية إنسانية مؤلمة، وظهر من الحوار الذي بثته وسائل التواصل الاجتماعى بوضوح أن الوزير يفتقد إلى الحس السياسي بل والإنسانى، فالأم المصرية تتحدث عن حالة ابنها المريض بالتوحد فاقدا القدرة على التحرك وحده في المترو، وهو ما يستدعى وجود مرافق له.. الطفل المريض ترعاه الدولة بتذكرة رخيصة الثمن، بينما المرافق يدفع ثمنا باهظا.. الوزير من جانبه يرد بنظرة استغلالية: القانون يرعى المريض ولا علاقة لنا بالمرافق!!
مشهد الوزير وهو غير مستوعب لما تطرحه الأم كان وكأنه "أجزاخنجى" يدير صيدلية، لا تعرف الدواء المدعم أو المجانى، إذا كنت تمتلك ثمن الدواء أهلا بك، وإذا كنت لا تمتلك الثمن فلا مجال للنقاش، رد الوزير الذي يعتبر عضوا بالحكومة التي جاءت لخدمة الشعب كان قاسيا، يصم الحكومة بما لا يجب أن توصم به.
الحكومة وفق نظرية الوزير تاجر استغلالى لا يعرف الرحمة، ولا يدرك حجم القضية التي قفزت لأرقام مخيفة "طفل مصاب بين كل 160 طفلا بهذا المرض".
الأم هنا مواطنة مصرية تعرض على الوزير مشكلة لا ذنب لها فيها.. ابنها المصاب بالمرض طفل مصرى تعانى أسرته من تكاليف مرهقة للعلاج، وتطالب الوزير المسئول بحل إشكالية انتقاله بمرافق، والوزير تاجر شنطة يبحث في آخر اليوم عن أرباحه وخسائره.. لا قيمة إنسانية لبضاعته إلا إذا قابلها مردود اقتصادي جيد، السيدة تبحث عن "كارنيه تخفيض" والوزير يبحث عن "الجنيه".. مفارقة مزعجة ومؤلمة وغير آدمية.
الأكثر إثارة أن الوزير كان لا يزال يعانى هو ووزارته من تبعات إلقاء شابين مصريين من القطار إلى الموت، لأنهما لا يمتلكان ثمن التذكرة، في واقعة مزرية، تؤكد أن الحكومة ترى أن سبعين جنيها أكبر قيمة وقدرا من مواطن، يجب أن يلقى تحت عجلات القطار خلاصا من الفقر والفقراء، وسط هذا المشهد كانت ردود الوزير أكثر حماقة دون أن يسمح لنفسه بدراسة المشكلة وعدد المرتبطين بها والبحث عن حلول.
الحل الذي طرحه الوزير هو ذاته الحل الذي نفذه الكمسارى.. على الطفل المتوحد أن يتحرك وحده، حتى لو كان الثمن حياته، لماذا يهتم الوزير بالمتوحدين؟! أليس من الأوفر له ولحكومته أن يموت هؤلاء تحت عجلات المترو بدلا من تلك الكلفة التي تصل إلى خمسة جنيهات للمرافق في المشوار الواحد؟ أليس الخلاص منهم ومن كل المرضى هو خلاص من "عالة" على الحكومة التي تدير وفق أبجديات "الوزير" شعبا بلغة التجار؟!!