سن الطفولة وجرائم ضد الدولة والمجتمع
في العام ٢٠١٠؛ خسرت مصر واحدا من أكفأ ضباط الشرطة وهو اللواء "إبراهيم عبد المعبود"، مدير المباحث الجنائية بالسويس وقتئذ، إثر استشهاده برصاصات سلاح آلي على يد "حدث" قدم إلى المحاكمة.
الجريمة النكراء التي أفقدتنا أكبر وأكفأ ضابط عدو لعصابات المخدرات في مصر كلها، لم ينتبه كثيرون معها إلى خطورة إمكانية عودة المجرم إلى الحياة مستقبلا وتهديد سلامة واستقرار مجتمعنا والتلاعب بمستقبل أطفالنا وشبابنا؛ بعد خروجه من السجن قريبا بقضاء ثلثي المدة.
عقب ثورتين؛ جرى تعديل الدستور وإتاحة المادة ٨٠ منه لتقنين سن الطفولة عند ١٨ سنة، طبقا للمادة الأولى من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والتزاما بها، بحسب المادة ٩٣ من الدستور المقررة بالمواثيق الدولية كجزء من التشريع الداخلي.
وخلال ٩ سنوات مضت؛ شهدت البلاد جرائم منسوبة لأحداث؛ تعد مرعبة للبالغين ومحيرة لرجال الشرطة ومثيرة للمحققين أيضا، ليست آخرها جريمة اغتصاب وقتل طفلة بورسعيد قبل نحو ٥ سنوات، ولن تكون النهاية جريمة قتل "محمود البنا" شهيد واقعة حماية "فتاة" بالمنوفية؛ ممن يصفه القانون بالحدث وتصم قائمات على كيانات نسوية آذانهن عن أصوات مستضعفات من ضحاياه.
بعد الواقعة بساعات، ظهرت جريمة أبشع بالدقهلية؛ تمثلت في قيام "حدث" ١٧ سنة، باغتصاب وقتل طفل ١٤ سنة، وإلقائه في ترعة لإخفاء جريمته، والعقوبة معلومة مسبقا، إيداعه مؤسسة عقابية قبل السجن وخروجه عقب قضاء سنوات.
ليس من قبيل الصدفة أن تجد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل تلزم الدولة بحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسى؛ ولا يطبقها تشريع داخلي على "المجنى عليه الحدث"، في جرائم يرتكبها من هم دون الثمانية عشرة، بل تضمن المعاهدة الدولية والتشريعات الداخلية للدول الأطراف بها حقوقا خاصة للجناة؛ كحمايتهم من عقوبتي الإعدام والسجن مدى الحياة؛ كما تقر بمحاكمتهم أمام قضاء خاص، بحسب الفقرة "أ" من المادة ٣٧ بالاتفاقية.
في مواد أخرى بالاتفاقية؛ تجد ناشطات وكيانات تتعامل مع الالتزامات الدولية لحقوق الطفل بطريقة الفنانة الرائعة "يسرا" في فيلم طيور الظلام؛ "يا اختى كده ينفع وكده ينفع"، خاصة إذا ما تماست تلك المواد مع حق الطفل في تلقى رعاية أبويه وأهليتهما معا؛ صونا لفرصه في تنشئة صحيحة سليمة غير منقوصة خاصة على المستوى النفسي، وأبرزها المواد ٧ و٨ و٩ من الاتفاقية الضامنة لصلاته العائلية كاملة.
تغييب تفعيل هذه المواد في تشريعات الأحوال الشخصية والأسرة؛ ترتب عليه ظهور نماذج أخطر من قاتل اللواء "عبد المعبود" وقتلة "محمود البنا"، باتوا بتربيتهم المنقوصة أشد خطرا على الأمن القومي والمجتمعي، والدليل على ذلك تقرير الأمن العام وإحصاء جرائم الأحداث وأبناء الشقاق بها، والذي يملك البرلمان حق طلبه من وزير الداخلية.
خطورة جرائم "أحداث" تضرب الأمن المجتمعي؛ دفعت المشرع لتعديلات تتيح للنيابة العامة إجراءات احترازية استثنائية في جرائم الإرهاب؛ كالتحفظ المؤقت على أموال أهلية المتهمين بها، دون تمييز أبناء الشقاق الذين يضار آباؤهم بسلوكهم؛ وهم من حرمهم قانون الأسرة رعايتهم لهم منذ البداية وأفقدهم دورهم في إنقاذ مبكر لطفولتهم، ليهدد حق أخواتهم من أمهات أخريات في الاستقرار؛ بسبب إجراءات التحفظ المترتبة على جرائم ارتكبوها دفعت المشرع للتوسع في التعامل معها.
تخيل أن لافتة دفاع ناشطات وكيانات نسوية عن جزء من الالتزام الدولي، وتجاهل أجزاء أخرى، هدفه الوحيد حماية سن الطفولة المزعوم؛ قبل مطلب القفز بسن "الحضانة المفتعلة" إلى ١٨ سنة، ولو كانت الرعاية المنفردة وتوريط النساء فيها لها تداعياتها على أمننا المجتمعي.
قس على ذلك حالات بها أطفال شقاق حرموا من تربية ورعاية الأم لأنها باتت "غير حاضن" لأسباب شتى أفقدتها علاقتها الكاملة بأطفالها، كزواجها أو فقدانها وجود حاضن من النساء طرفها.
العنف المجتمعي والجرائم الجنائية التي يرتكبها "أحداث"؛ بوصف القانون لهم؛ بعضها ما هو سوى تقنين تشريعي لما فرضته جماعات المصالح التي أضرت بأطفالنا واستقرار مجتمعنا، ولو أن مشرعا متعقلا ألم بالحقائق كاملة وتفهم أبعاد ومحتوى الاتفاقيات الدولية كافة؛ ما تجرأ صوت على البوح بادعاءاته لدى الوعى العام، وتضليله بأكذوبة أن الرعاية المنفردة تحقق المصلحة الفضلى للطفل.
لننتظر جيلا مختلفا لا يعرف بعضه معنى للعائلة وصلة الأرحام، وندعو الله ألا نتحمل تداعيات جرائم بعضنا بحقه.