تونس.. مناظرة الإلهام الديمقراطي
أمام شاشات الفضائيات الأوروبية والأمريكية وبعض العربية، تجمع شباب وشيوخ ونساء ورجال لمتابعة الحدث الجلل القادم من العاصمة الملهمة تونس.
الحدث: مناظرة تليفزيونية بين المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية التونسية في جولة الإعادة، السيدين قيس سعيد ونبيل القروي.
المشهد: مرشحان حظيا بثقة الشعب التونسي في جولة الإعادة أمام مذيعين متألقين، يديران حوارا شاملا حول عدد من الأطر التي تشغل الرأي العام التونسي.
الوقت المسموح به لكل مرشح يساوي وقت خصمه السياسي، والسؤال واحد والإجابات هادئة، مركزة، حماسية في بعض الأحيان، وشعارية في أوقات أخرى.. كلا المرشحين حظيا باحترام المشاهدين في كل العواصم العربية والأوروبية لأسباب عدة، أهمها شجاعة المناظرة ورقي لغة الحوار وعدم المقاطعة.. خلت المناظرة من لغة التخوين أو الإقصاء أو التهميش، وبلغت حدا كبيرا من نضج المواجهة رغم عدم وجود برنامج واضح لكلا المرشحين.
المناظرة بكل ما تحمل من مضامين واعية تشكل إلهاما جديدا في منطقتنا العربية، التي لم تشهد مثل هذه المناظرات إلا في القليل النادر، والتي لم تكتمل نواتها بعد إجرائها، وقدم المذيعان شاكر بسباس عن الإعلام الخاص، وأسماء شاكر عن التلفزة التونسية، نفسيهما كنموذج للإعلام المحايد، حيث لم يتدخل أي منهما في الحوار بما يشكل وجهة نظر أو محاولة تأثير، أو حتى إظهار تفاصيل على ملامح الوجه تحمل إيحاءً أو إشارة.
المناظرة الملهمة قدمت نموذجا عربيا يؤكد من جديد أن خطايا الديمقراطية وإن تعددت فإنها الحصن الواقى للشعوب من خطر الانفراد بالحكم وممارسة الديكتاتورية التي أضاعت بلادًا كثيرة على مدار التاريخ ومزقتها وزرعت فيها الفتن، ووأدت أجنة الحرية في مهدها، وتساقطت أوطان كانت حتى وقت قريب قوى من وهم، وإمبراطوريات من قش، وضجيجا من فراغ موحش، وبلادًا من ضلالات مخيفة.
تابع العرب والعجم مناظرة المرشحين التونسيين وكأنهم أمام أعجوبة من أعاجيب الحرية التي أطلت على أمتنا العربية من العاصمة التونسية لتؤكد من جديد أن شعوبنا تستحق أن تعيش التداول السلمى للسلطة باعتباره السبيل الوحيد لحماية البلاد والعباد من شر القوة الغاشمة والقيود المفرطة والعتمة التي طاردت أمتنا عقودًا طويلة، ضاع فيها كل معنى حقيقى للحياة والحرية والهواء النظيف.. تحية واجبة لشعب لا يزال يرعى نبتة الحرية ويحميها بصولجان ثباته وعزمه وإرادته.