حكايات الشاب فاروق حسني!
بعد سنوات من الغياب عن المشهد السياسي والثقافي ها هو الشاب "فاروق حسني" وزير الثقافة الأسبق يعود من جديد في إطلالة مدنية من خلال مؤسسة "فاروق حسني" الثقافية.. بالأمس كان تدشين المؤسسة الجديدة بضاحية الزمالك وسط حضور مكثف من صفوة المجتمع ونخبته ليؤكد من جديد أن شخصية الفنان الحقيقي لا تموت، ولا تغلبها سنوات العمر التي تعدت الثمانين بقليل دون أن تؤثر في حيويتها ونضارتها وقدرتها على العطاء.
عرفت الفنان "فاروق حسني" على مدار سنوات كثيرة عندما كنت مديرا لتحرير جريدة الأحرار ثم رئيسا لتحريرها، وأشهد الله أننا ما طرحنا قضية جادة في مجال عمله إلا وكان على الطرف الآخر مستجيبا ومصححا وواعدا بحلول قضاها دون كسل أو تراجع.. كان ولا يزال هذا الرجل متصالحا مع نفسه مؤمنا بوطنه قادرا على التعاطي الإيجابي مع كل ما تطرحه الميديا أو يناقشه مجتمع الفنانين والمثقفين.
وفي الوقت الذي خاضت فيه صحف معارضة ضده معارك شعواء اتسمت بالعصبية والاستغلال والانتهازية السياسية كان صامدا في وجه الإسلام السياسي دون أن يتراجع قدر أنملة، ودون أن يحاول مثل غيره الإمساك بالعصا من المنتصف، ودون أن يراهن على العاطفة أو يتراجع أمام تهديد لمنصبه أو حتى لحياته الشخصية أو النيل من سمعته وكرامته وتاريخه ووطنيته.. كان دوما في مقدمة الصف يعارك من أجل الإنسانية والفن وقيم الجمال.
"فاروق حسني" الذي غاب كثيرا عنا لم يلزم داره ساكنا أو صامتا.. كان ولا يزال متابعا جيدا لحركة الفن والثقافة مهموما بما نعانيه من جمود أصاب حياتنا الثقافية.. يستيقظ في نفس الوقت الذي كان على عهده به.. يقرأ.. يتابع.. يمارس هوايته كفنان محترف له أعماله التي لم تغب.. يناقش أصدقاء ورفاق الرحلة الطويلة فيما يخص الفن ولا شيء غير الفن.. نأى بنفسه بعيدا عن الصخب الدائر واختار البقاء مع ذاته متصالحا مع ما يجري رغم قسوة بعضه.
عندما وقف "فاروق حسني" خلف القفص متهما حسب تقارير صبيانية كان على ثقة أنه يقف أمام ميزان العدالة.. كان مرفوع الرأس.. منتصبا كعادته.. وبالفعل برأه القضاء المصري الشامخ إذ لم يجد في ملفه ما يستحق مجرد إيقافه أو وقفته خلف القفص.. ها هو يعود إلينا مصريا خالصا.. إنسانا معجونا بالفن.. قدرة شابة قادرة على العطاء ليضيف إلى تاريخه ما نفخر به كمصريين عندما نجد بيننا شخصيات لا تنكفئ على ذاتها ولا تختار الهجر طريقا للهروب من صخب الحياة.