مكاسب التصعيد الدبلوماسي في ملف سد النهضة.. الدعم العالمي للقاهرة يساهم في حل الأزمة.. محاصرة إثيوبيا اقتصاديًا الأهم.. والشرعية الدولية تمنح مصر حق الحفاظ على الحقوق المائية
في الملفات الكبيرة وخاصة تلك التي تتعلق بالأمن القومي، فإن الكلمة لها ألف حساب، والتحرك في أي طريق هو تحرك يُبني على أسس سواء دبلوماسية أو غيرها، والحراك الذي شهده ملف سد النهضة خلال الفترة الأخيرة يشير إلى أن هناك تحركا مصريا ربما يكون رادعا لمغامرة «آبي أحمد» غير المحسوبة والتي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
اقتراح مرفوض
على مدار ثماني سنوات التزمت فيها مصر سياسة النفس الطويل وأدارت ملف سد النهضة بدبلوماسية رصينة، لم يكن هناك أي خلاف على التنمية أو البناء والتحديث، ولكن النقطة الخلافية الوحيدة هي سنوات ملء خزان السد البالغ سعته 74 مليار متر مكعب وهي كمية كبيرة ستؤثر بالضرورة على دولتي المصب «مصر والسودان».
وقائع 8 سنوات من المماطلة الإثيوبية والمرونة المصرية خلال مفاوضات سد النهضة
تقبلت مصر أن تتحمل جزء من الضرر ولم يكن هناك بديل عن ذلك، وطالبت أن تكون سنوات ملء الخزان 7 سنوات وأن تلك السنوات تخضع لحجم الفيضان إذ لا يمكن أن يكون الفيضان أقل من المتوسط ويتم خصم جزء منه، خاصة أن مصر تعتمد بنسبة تتخطى الـ90% على مياه نهر النيل.
رفض إثيوبي
المقترح المصري المُنصف وفق نظر كثيرين من مراقبي الملف، رفضته إثيوبيا التي طلبت في البداية أن يتم الملء من خلال عام واحد فقط وهو مقترح عدّه كثيرون «غير عقلاني»، وحين تقدمت السودان باقتراح أن تكون سنوات الملء على مدار ثلاث سنوات رفضت القاهرة التي تمسكت بموقفها، وتحديدًا أن السبع سنوات بحسب حالة الفيضان وليست إلزامية.
تأزم الموقف
مع الرفض الإثيوبي والتصميم المصري، اختارت القاهرة تصعيد الأمر دبلوماسيًا وذلك من خلال وزير الخارجية السفير سامح شكري الذي أعلن منذ ما يقرب من أسبوعين أن هناك تعثرا في المفاوضات وأن ما تطلبه أديس أبابا أمر غير مقبول.
شاهد..كيف تعاملت مصر مع ملف سد النهضة والأمن المائي؟
هذا التصعيد التدريجي وصل لذروته بتصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال حواره مع عدد من الشخصيات الأمريكية المؤثرة داخل المجتمع الأمريكي، بقوله «لن يتم تشغيل السد بفرض الأمر الواقع، لأننا ليس لدينا مصدر آخر للمياه سوى نهر النيل».
الرئيس السيسي أشار أيضًا إلى أن 95% من مساحة مصر عبارة عن صحراء، وأن أي إضرار بالمياه سيكون له تأثير مدمر على المصريين، مشددًا: "نحن مسئولون عن أمن مواطنينا، موضحًا أن أحد التحديات التي واجهت الدولة نتيجة أحداث 2011 هو إقامة مشروع سد النهضة ليؤثر على مصر وأبنائها.
كما أضاف أنه كان من المفترض أن يتم إقامة مفاوضات مع الجانب الإثيوبي لو كانت الدولة المصرية متواجدة في هذا التوقيت، مضيفًا: "عندما ضعفت الدولة المصرية كان هناك ثمن دفعه المصريون وستدفعه الأجيال القادمة".
5 رسائل قوية من السيسي بشأن سد النهضة
لماذا هذا التصعيد؟
السؤال الذي طرحه كثيرون هو مدى أهمية هذا التصعيد الدبلوماسي في ملف مثل سد النهضة مع دولة مثل إثيوبيا اخترقت قانون الأنهار العالمي وشيدت سد ليس له دراسات فنية معتمدة دوليًا، وكما يرى مراقبون فإن هذا التصعيد الدبلوماسي هو الخطوة الأكثر فاعلية والتي يمكن أن تحدد الكثير خلال الفترة المقبلة.
وأبرز نتائج التصعيد الدبلوماسي هو الحشد الدولي الداعم لمصر، وهو ما أوضحه الرئيس السيسي في حواره علانية حين قال «بدأنا نصعد دبلوماسيًا لكي ننقل المشكلة من مستوى ثنائي وثلاثي حتى نصل إلى مجال طرح أكبر، وإحنا مش ضد التنمية، إحنا عايزين كلنا نعيش وكلنا ننمو، وكل بلد لديها تحديات، ونحن لسنا ضد إقامة السدود، لكن ليس على حساب مصر والإضرار بها».
محاصرة إثيوبيا
التصعيد الدبلوماسي والحشد الدولي ايضًا يمكنه أن يمنح مصر عدد من الأوراق التي بدورها تمثل وسيلة ضغط على أديس أبابا، من خلال محاصرتها اقتصاديًا ودبلوماسيًا خاصة أن إثيوبيا دولة تجارية في المقام الأول ولديها علاقات اقتصادية مع كثير من الدول ومن الممكن أن تفقد تلك العلاقات، خاصة أن زيادة سنوات ملء الخزان لن يكلفها شيئًا وقد تعطل قبل ذلك لأسباب لا دخل لمصر بها.
تابع..لجنة مياه النيل تناقش مقترحات لتقريب وجهات النظر مع إثيوبيا بشأن سد النهضة
الشرعية الدولية
كما يمنح التصعيد الدبلوماسي لمصر شرعية دولية إذا استطاعت أن تقنع الدول الكبرى بصحة موقفها وهو ما يفعله الرئيس السيسي الذي أوضح في تصريحاته إنه يجب الحفاظ على حصة مصر من المياه، موضحًا أنه تم الاتفاق مع الجانب الإثيوبي في 2011 خلال الاتفاق الإطاري على أسلوب ملء خزان سد النهضة، لكن للأسف لم تستطع اللجان الفنية حتى الآن الوصول إلى اتفاق في هذا الأمر.
تلك الشرعية تُمكن مصر من الحركة بشكل أكثر تحررًا من أي قيود دولية لاتخاذ كافة الأساليب التي من خلالها تحفظ حقوقها المائية المنصوص عليها وفق قوانين واتفاقات دولية، كما أن هذا التحرك الدبلوماسي يعد آخر الخطوات السلمية في أي صراع عالمي وهو الأمر الذي تدركه القوى الدولية المؤثرة.