وقائع 8 سنوات من المماطلة الإثيوبية والمرونة المصرية خلال مفاوضات سد النهضة
خاضت مصر خلال 8 سنوات ماضية مفاوضات سد النهضة رافعة شعارات حسن النوايا والتعاون واحترام القانون الدولي، في ظل جولات تفاوض شاقة مع الجانب الإثيوبي الذي اعتمد على التسويف كمنهج طوال السنوات السابقة لكسب الوقت في بناء الهيكل الخرساني للسد خلال السنوات الثماني الأخيرة.
ويأتي التحرك المصري الأخير من قبل وزارة الخارجية بطلب دعم الأشقاء في جامعة الدول العربية إلى جانب اطلاع سفراء الدول الأوروبية في مصر على حقيقة المفاوضات ومساراتها خلال السنوات الأخيرة والجهود المصرية التي اتسمت بالشفافية مقابل مماطلة إثيوبية، لتعطي مؤشرا حول عدم خوض جولة جديدة من المفاوضات مع إثيوبيا في وقت قريب رغم إعلان وزير الري المصري الدكتور محمد عبد العاطي نهاية أغسطس الماضي عن جولة جديدة تجمع وزراء الري والخارجية في دول مصر وإثيوبيا والسودان منتصف سبتمبر الجاري، بعد تأجيل الاجتماع منذ يونيو 2018.
وتظل مسألة سنوات الملء الأول لخزان سد النهضة وآلية تشغيله وهي موضوع البند الخامس من إعلان مباديء الخرطوم، هي العالقة في المفاوضات الدائرة بين مصر وإثيوبيا خلال الأعوام الأخيرة منذ توقيع الإعلان في مارس 2015، وأعلن وزير الري الدكتور محمد عبد العاطي قبل أسابيع عن اطلاعه الجانبين السوداني والإثيوبي على وجهة النظر المصرية فيما يخص سنوات الملء الأول وآلية التشغيل خلال زيارتين متعاقبتين للخرطوم وأديس أبابا.
ولم تعلن وزارة الري عن تفاصيل المقترح الذي تقدمت به لإثيوبيا والسودان حول سنوات الملء الأولى ونفت الوزارة في وقت سابق تصريحات صدرت من الجانب الإثيوبي حول اقتراح مصر ملء خزان سد النهضة في مدة 7 سنوات، في ظل تمسك إثيوبي بملء الخزان في فترة 3 أعوام على الأكثر، قبل أن تعلن إثيوبيا مؤخرا على لسان وزير مياهها رفض الرؤية المصرية الخاصة بملء وتشغيل السد.
الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية - جامعة القاهرة، قال: إن مصر التزمت بمسار التفاوض السلمي وسلكت الطريق الدبلوماسي طوال 8 سنوات من المفاوضات مع إثيوبيا، في حين لم تلتزم الأخيرة بنصوص القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة التي تفرض على الدول التي تشترك في الأنهار العابرة للحدود الوصول لحلول توافقية من خلال التفاوض في حال وجود أي مسألة تتعلق بحقوق دول حوض النهر، بشرط أن لا يتم البدء في تشييد السدود والمشروعات المائية قبل الوصول لحل توافقي، وهو ما خالفته إثيوبيا، واستمرت في بناء السد بسرعة فائقة لدرجة دخولها موسوعة جينيس في صب أكبر كمية خرسانة خلال 24 ساعة، قبل أن تنخفض سرعة بناء السد في العامين الأخيرين، على خلفية المشكلات التي واجهت الشركة الإثيوبية التي تعهدت بتركيب توربينات توليد الكهرباء، وفشلت في ذلك وهو ما تسبب في مطالبة الشركة الإيطالية المسئولة عن تشييد الهيكل الخرساني للسد بتعويضات لتأخر أعمالها بسبب تعطل تركيب التوربينات.
وأوضح شراقي أن مصر طلبت في بداية التفاوض مناقشة مواصفات السد من حيث الارتفاع وسعة الخزان وعوامل الأمان، وهو ما رفضته إثيوبيا، وأدى في النهاية إلى تعليق المفاوضات من قبل مصر في يناير 2014، بعد أن رفض الجانب الإثيوبي تشكيل لجنة دولية بها أطراف محايدة لمتابعة توصيات اللجنة الدولية الفنية الأولى التي أنهت أعمالها في 31 مايو 2013، ووضعت ملاحظات سلبية هامة حول سد النهضة في تقريرها الذي انتهت منه خلال عام كامل بسبب عدم تعاون إثيوبيا في مد اللجنة بالمعلومات الكاملة عن السد قبل أن تكثف من المعلومات التي منحتها للجنة في الأسبوع الأخير من عملها، وأن 75% من توصيات التقرير تحدثت عن أمان السد والنواحي الهندسية، ورفضت إثيوبيا مناقشة الأمر بإعتباره شأن داخلي يخصها، وطلبت اختصار التوصيات والدراسات عن الجوانب الاقتصادية والبيئية والاجتماعية فقط.
وتابع: "إثيوبيا رفضت مرة أخرى تشكيل لجنة دولية لمتابعة تنفيذ التوصيات، بعد استئناف المفاوضات بفضل جهود الرئيس السيسي في يونيو 2014، ولكن مصر أظهرت مرونة كبيرة وقبلت بتشكيل لجنة وطنية بدون أعضاء من دول محايدة لمتابعة تلك التوصيات، بدلا من لجنة دولية لو كانت تشكلت كانت بالتأكيد ستوصي بخفض ارتفاع السد وسعته التخزينية؛ لأن إثيوبيا لم تجري الدراسات اللازمة حول السد هندسيا والمشكلات التي يمكن أن يتسبب فيها بتصميمه الحالي".
ولفت شراقي إلى أن مصر كانت حريصة جدا على حل تلك الخلافات سلميا، ومن خلال المفاوضات الدبلوماسية ولم نتخذ خطوة إشراك وسيط دولي في المفاوضات رغم كونها خطوة سلمية ومن حقنا اللجوء لها، ومن الممكن أن تكون دولة من خارج القارة من المحيط العربي أو خارجه في حالة موافقة إثيوبيا، بل وتحملنا الظروف السياسية في إثيوبيا والسودان خلال آخر عامين والتي عطلت المفاوضات.
وأردف: "الإثيوبين طلبوا أن تنحصر الدراسات إلى جزئين في مجال الهيدروجلي ودراسة أخرى اجتماعية بيئية اقتصادية، ووافقت مصر على أن تكون تلك هي الدراسات التي يختص بها المكتب الفرنسي الذي تم اختياره خلال التفاوض، ولكن حتى بعد اختيار المكتب وعرضه لتقرير استهلالي عن خطة عمل الدراسات في نوفمبر 2017 رفضت كل من إثيوبيا والسودان التقرير، وبالتالي علقت المفاوضات مرة أخرى بسبب التعنت الإثيوبي الذي يهدف إلى كسب الوقت، حتى إنه بعد عودة الاجتماعات الثلاثية مرة أخرى في الخرطوم في أبريل 2018 أعلنت إثيوبيا خلال سير المفاوضات تغيير مجرى النهر كأحد المراحل المهمة في بناء السد، في دليل واضح على سوء النوايا الإثيوبية، التي تتأكد عندما نعرف أن التشغيل التجريبي للمرحلة الأولى من سد النهضة من المتوقع أن يكون في صيف 2020 كما أعلنت أديس أبابا بينما من المقرر أن ينتهي المكتب الفرنسي من الدراسات المكلف بها خلال فترة عام من وقت التوافق بين مصر وإثيوبيا والسودان حول التقرير الاستهلالي للمكتب، وهو ما انتهت جولة المفاوضات الحالية دون التعرض له، أي أن المرجح أن يبدأ تشغيل المرحلة الأولى قبل انتهاء المكتب الفرنسي من دراساته".