رئيس التحرير
عصام كامل

أكبر قضية فساد في قلب القاهرة


على رءوس الأشهاد، وفي قلب العاصمة المليونية؛ القاهرة، يقع جراج ومول البستان كواحد من البنايات الشاهقة التي أنشئت مبكرا لتخفيف العبء على الشوارع، وبشكل حضاري يليق بعاصمة مصر، كان الهدف المنشود هو أن يقوم هذا المبنى بدور فعال، والجراج والبستان مملوك لوزارة الأوقاف، وتديره محافظة القاهرة وهو قبل أن يكون "جراج" و"مول"، أستطيع القول وبيقين: إنه مثال صارخ على الفساد الذي استوحش وطغى فوق إرادة الحكومة كلها.


أربع سنوات مضت، والمول والجراج بلا شركة تديره، ومتروك في أيدي مجموعة من المنتفعين دون مبرر قانوني، والنتيجة إهدار أكثر من ثلاثمائة مليون جنيه على الدولة في وقت نبحث فيه بين القش بإبرة على جنيهات ولو قليلة، نسد بها أو نسدد ما يمكن أن يكون جزءا من بناء جديد في معركة البناء التي تخوضها الدولة المصرية..

هذا الفساد ليس مستترا، وإنما يعلم به وزيران محترمان، هما اللواء خالد عبد العال محافظ القاهرة، والدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وكلاهما يعلمان وبشكل دقيق حجم الفساد وطرق النصب التي يدار بها المول والجراج، من قبل عدد لا يزيد على أصابع اليد الواحدة في غيبة تامة من الدولة.

وأصل الحكاية أن رجل أعمال أسندت إليه وفق القواعد المعمول بها إدارة المبنى مقابل إيجار زهيد في وقتنا الحالي، وانتهى عقد الإيجار في الثامن عشر من شهر مارس من عام ٢٠١٥، ثم طرح المول في السادس عشر من شهر أبريل من عام ٢٠١٥ في مزايدة علنية، غير أن هذه المزايدة ألغيت لعدم الوصول إلى القيمة التقديرية، واستمرت الشركة السابقة في إدارة المول دون وجه حق، وفي السادس والعشرين من شهر نوفمبر من نفس العام أعيدت المزايدة التي رست على إحدى الشركات بواقع خمسة وثلاثين مليونا وثلاثمائة ألف جنيه سنويا بزيادة سنوية قدرها ٨٪ وانتظرت الشركة الفائزة بالمناقصة إخلاء المول واستلامه دون جدوى.

حجم الفساد الذي مارسه عدد من الموظفين يفوق الخيال، ولك أن تتصور أن جهة بمحافظة القاهرة قدرت إيجار المول عن سنة كاملة للشركة القديمة بمليون جنيه سنوي فقط أي إن هذا المول والجراج تقرر تأجيره شهريا بأقل من مائة ألف جنيه، والمثير أن الشركة القديمة التي يجب أن تخلي المول خاطبت المحافظة بضرورة استلام أمانتها غير أن المحافظة لم تتسلم المول حتى تاريخه، وتتركه كما هو بإيجار سنوي مليون جنيه، مع أن المزاد رسى على غيرها بخمسة وثلاثين مليونا وثلاثمائة ألف جنيه.

حدود علمي أن الرقابة الإدارية لديها ضباط أكفاء، وعلى علم بدبة النملة في كل محافظة، وليس محافظة القاهرة فقط، والوزيرين المسئولين يعرفان أن ترك الأمر على ما هو عليه أضاع على الدولة أكثر من مائة وأربعين مليون جنيه.. كل ذلك لأن موظفين صغارا مدعومين ببعض الشخصيات يدخل جيوبهم ما كان مفروضا أن يدخل خزينة الدولة، والأكثر إثارة أن السادة مديري الأمن طوال هذه الفترة يعدون الدراسة الأمنية لإخلاء المول ، دون أن يسأل أيا منهم نفسه سؤالا: إذا كنت كمسئول أمني لا تستطيع إيقاف نزيف المال العام، لأن مجموعة من الناس أيا كان شكلهم أو تسليحهم يسيطرون على مبنى حكومى في قلب العاصمة فكيف تقيم أداء رجالك إذن؟!

المتورطون في الأمر ليسوا كلهم موظفين صغارا، الأمر يبدو أكبر من ذلك، وترك مبنى في حجم مول البستان في أيدي مجموعة تسيطر عليه بعيدا عن القانون يعني غياب الدولة لصالح الفاسدين وهذا هو الخطر.
الجريدة الرسمية