الفساد في محافظة القاهرة للرقاب!!
من تعامل عن قرب مع الراحل العظيم الدكتور عبد الرحيم شحاتة، عندما كان محافظا للقاهرة يدرك أن المحافظين نوعان: أحدها نوع عبد الرحيم شحاتة.. رجل ذو قدرات إدارية عظيمة، وصاحب قرار، والنزاهة عنوان لا يمكن أن يغادر مكتبه.. أما النوع الثانى فهو الذي يندرج تحت شعار "اعمل قليلا تخطئ قليلا"، وإن أردت البقاء فلا تعمل وإن أردت الترقية والاستمرار في سلك الوظيفة الوزارية فإن تأجيل القضايا والمشكلات هو الحل.
من يتابع السيد عاطف عبد الحميد محافظ القاهرة، يدرك الفارق بين النوعين المذكورين، وللتدليل على ذلك أقص عليكم واحدة من مشكلات المستثمرين وضياع سبعين مليون جنيه على المحافظة بسبب الشعار السابق ذكره.
تمتلك محافظة القاهرة جراج البستان، وهو مبني ضخم من عشرة طوابق خمسة منها جراجات وخمسة للأنشطة التجارية والإدارية، انتهى عقد إيجارها لشركة تابعة للمهندس حسن درة منذ شهر مارس من عام ٢٠١٥ وهو الأمر الذي دفع المحافظة إلى طرح حق استغلال المول كاملا بالمزاد العلنى في شهر أبريل من نفس العام، غير أن المزاد قد فشل؛ لأن الشركة التي قدمت السعر الأعلى كان خمسة عشر مليونا من الجنيهات، بينما كانت القيمة التقديرية هي ثمانية عشر مليونا فتم طرح المزاد مرة أخرى في شهر نوفمبر من نفس العام.
رسى المزاد على إحدى الشركات بسعر إجمالي، وصل إلى أكثر من خمسة وثلاثين مليونا، والتزمت الشركة بكافة التزاماتها بدفع ثلاثة عشر مليونا وخمسمائة ألف جنيه قيمة التأمين الابتدائى والنهائى، والدلالة مع تقديم مشروع هندسي لتطوير المول ليتماشى مع وضعه الجغرافى المتميز في وسط القاهرة، وأصدر المحافظ ساعتها قرارا بإخلاء وتسليم المول إلى الشركة الجديدة تحت رقم ٣١٨٤ لسنة ٢٠١٥م.
توجهت الشركة بصحبة لجنة من المحافظة، وقوة أمنية لاستلام المول في العاشر من شهر مارس عام ٢٠١٦م غير أن الرياح تأتى بما يشتهى البلطجية.. تم حجز السكرتير العام والقوة الأمنية وممثلى الشركة الجديدة داخل المول بقوة من البلطجية، ولولا تدخل المحافظ السابق الدكتور جلال السعيد لتم الفتك بالجميع.. عادوا مرة أخرى إلى نقطة الصفر بعد انتصار البلطجة على القانون !!
أجريت دراسة أمنية للتنفيذ، إلا أن المحافظ جلال السعيد تم تعيينه وزيرا للنقل، كما تم نقل السكرتير العام إلى محافظة الإسكندرية، وأصبحت المحافظة بلا محافظ لمدة خمسة أشهر والمول تحت سيطرة الفراغ الذي شغله من لا شرعية لهم بالوجود، وبدلا من أن يقوم القائم بأعمال المحافظ بتسليم المول إلى الشركة الجديدة أحال شكوى كيدية للنيابة العامة..
وقام مدير إيرادات المحافظة بعمل تسوية مالية للمستولين على المول بواقع مليون جنيه فقط، علما بأن الشركة الجديدة رسى عليها المزاد بواقع خمسة وثلاثين مليون جنيه!!
النيابة من جهتها حفظت التحقيق بتاريخ ١٩ ديسمبر عام ٢٠١٦، أما الشركة التي التزمت بكافة الإجراءات لا تزال في الشارع، رغم أنها لجأت إلى لجنة فض منازعات الاستثمار وبعد عدة جلسات تم عرض أوراق المنازعة بتاريخ ١٧ من فبراير من العام الحالى، وفوجئ الحضور بمندوب المحافظة يؤكد للجنة أن الأمر معروض على النيابة العامة، رغم أنه يعلم أن النيابة حفظت التحقيق، وليست هناك علاقة للشركة صاحبة الحق، بل أية علاقة بموضوع النيابة من قريب أو بعيد.. نجح مندوب المحافظة في تعطيل الأمر لصالح الشركة القديمة التي تسيطر على المول، رغم أن هذه الشركة أرسلت إنذارات للمحافظة تطالبها باستلام المول، وذلك حتى لا يرجع عليها المسئولون بالتعويض !!
القضية بكل ما فيها من تلاعب وضياع أموال المحافظة، لصالح من لا حق لهم، لاتزال تراوح مكانها بلجنة فض المنازعات بوزارة الاستثمار، ولسان حال أصحاب الشركة صاحبة الحق ينطق بما لا يمكن ذكره من آلام وظلم فاق كل الحدود!!