رئيس التحرير
عصام كامل

خطأ طبي معلش!


شاب يبلغ من العمر 28 عامًا، في ريعان شبابه وأوج صحته، لم يشكُ يومًا علة أو مرضًا، تزوج فور تخرجه في الجامعة، ثم سافر إلى إحدى الدول العربية في رحلة البحث عن الرزق وتحقيق الطموح، إلى أن تبوأ مكانة مهمة في عمله، ثم أكرمه الله بإنجاب ثلاث زهرات صغيرات أكبرهن 5 سنوات، وأصغرهن سنة واحدة.


في إحدى الزيارات إلى القاهرة، عبث أحدُهم برأسه؛ «جسدك يحتاج إلى التخسيس»، علمًا بأن طوله كان يتجاوز 175 سم، ووزنه كان مناسبًا لهذا الطول، وبحسب المختصين في السمنة والنحافة، لا يعد هذا شكلا صارخًا من أشكال السمنة التي تستدعي جراحة، وربما بقليل من تخفيف الطعام واتباع نظام غذائي خاص، يمكنه تطبيق المثالية التامة بين الطول والوزن، وهو ما يبدو أن هذا الشاب كان يطمح إليه.

ثم تواصل الشاب مع أحد الأطباء المختصين، الذي أقنعه بدوره بإجراء جراحة شفط للدهون الزائدة، واتفقا على قيمة الجراحة التي بلغت 40 ألف جنيه، واتفقا أن تكون في أحد المستشفيات الخاصة بحي مصر الجديدة، مشهود له بالكفاءة وعلو المستوى الطبي.

سدد الشاب قيمة الجراحة كاملة قبل إجرائها، وتم تحديد موعد ودخل الشاب المستشفى بالفعل، ترافقه زوجته الشابة، وطفلاته البريئات، وكان الحديث بحسب الجراح المختص أن الجراحة لن تستغرق ساعات، ليصبح بعدها إنسانًا آخر.

وخرج الشاب من غرفة العمليات بالفعل، ولكن تدهورت حالته الصحية إلى وضع خطير، ما استدعى أسرته لنقله إلى أحد المستشفيات بعد أن تنصل المستشفى الخاص من المسئولية عنه، قائلين: «الجراحة نجحت وابنكم أكيد كان مريضًا بمرض آخر».

وفى المستشفى الآخر فحص حالته مجموعة من الاستشاريين الكبار الذين أخبروا الأسرة بأنه قد حدث خطأ طبي ما خلال الجراحة، أدى إلى تدهور حاد في صحة الشاب، وأن الأمور في انتظار رحمة الله وحده، ولا أمل يرجى من أي تدخل طبي لعلاج ما أفسدته تلك الجراحة.

وكانت ساعات انتقل بعدها الشاب إلى جوار ربه، مودعًا أحلام زوجة شابة وثلاث بريئات، يشكون إلى ربهم حرمانهم من أبيهم على يد الإهمال القاتل، وحين أخبر أصدقاؤه والدته المسنة بأنه لابد من إبلاغ الشرطة بهذا الأمر كى تتم محاسبة المهمل ومعاقبته، رفضت الأم الإبلاغ خوفًا من «تشريح» جثمان ابنها، وفق الإجراءات القانونية المتبعة في مثل هذه الحالات التي تدخل فيها شبهة جنائية، قائلة: «ابنى مش هايرجع لى تانى».

يحمل هذا الحادث المؤلم شقين مهمين، ألا وهما؛ أن منطق الأم غير القانونى في الخوف من الإبلاغ عن جريمة طبية وقعت، وأدت إلى حرمان أسرة من ربها في غمضة عين، أصبح منطقًا سائدًا في مجتمعنا، بل ومتفشيًا في أغلب حالات الخطأ الطبي، تخوفًا من طبيعة الإجراءات القانونية المصاحبة له، وهو ما يستلزم تدشين حملات توعية من وزارة الصحة بعدم الصمت تجاه أي خطأ من هذا القبيل، والإبلاغ عنه، بل وضرورة بحث تشكيل لجنة دائمة لمتابعة تلك الحالات ضحية الأخطاء ومعرفة المتسببين فيها، على أن تسير إجراءاتها بالترافق مع الجانب القانونى.

الشق الآخر، وهو البعيد نسبيًّا عن الجانب الطبي والقانونى، ألا وهو «الرضا»، فهذا الشاب، ربما لم يرضَ عن مظهره، واستغل الطبيب هذا الأمر فعبث برأسه مخلًا بقسمه الطبي وأمانة مهنته، رغم عدم وجود حاجة ماسة وعاجلة لتلك الجراحة.

رحم الله الشاب، وألهم أسرته الصبر، وأعان زوجته على مشوارها الطويل مع الزهرات الثلاث، ولعن الله كلَّ مهمل عبثت أصابعُه، فدمرت أحلامًا كانت يمكن أن تكتمل إلى ما شاء الله.
الجريدة الرسمية