رئيس التحرير
عصام كامل

الأرواح جنود مجندة


لا شك أن أرواح المؤمنين تشتاق بعضها إلى بعض وتحن دوما إلى اللقاء، وخاصة أرواح المتحققين منهم، ولهذا الشوق وذاك الحنين أصل قديم يعود إلى التقائها وتعارفها فيما يسمى بعالم الذر أو عالم الأرواح، ذلك العالم النوراني الحسي السابق لوجود عالم الأغيار والأشباح أو عالم الظهور الذي نحن فيه الآن.


وعالم الأرواح عالم له مقتضياته ففيه أخذ الله تعالى فيه العهد والميثاق على أرواح بني آدم، وتم فيه الإقرار بربوبيته عز وجل وإلى ذلك أشار سبحانه وتعالى بقوله: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين"..

وفي هذا المشهد العظيم شاهدت الأرواح تجليات حضرة الربوبية بأنوارها فأقرت بربوبيته تعالى على أثر الشهود وهو شهود بلا كيف وحيث لا أين ولا وصف حيث لا زمان ولا أين. هذا وبالرغم من إقرار الأرواح كلها بربوبية الله تعالى إلا أنه في عالم الشهادة والظهور الذي نعيشه الآن نرى أناس يكفرون بالله تعالى وينكرون وجوده..

هنا سؤال يطرح نفسه: لماذا ظهر الخلاف. مؤمن وكافر ومقر وناكر رغم سابقة الإقرار والاعتراف بربوبيته تعالى. وللإجابة على هذا السؤال لا بد لنا أن نعود إلى مشهد عالم الذر وتجليات الله تعالى بأنوار ربوبيته على الأرواح وما حدث لها أثناء التجلى. عندما تجلى سبحانه بأنوار ربوبيته إستقبلت الأرواح أنوار التجلى وظهرت في ذواتها.

هنا انقسم حال الأرواح إلى قسمين. أرواح المؤمنين انجذبت إلى مصدر الأنوار والمتجلي. ولم تنظر إلى أثر التجلي في ذواتها فلم تحجب بأنوار التجلي بعد تعلقها بحضرة الربوبية.. وأرواح أهل الكفر فيما بعد شغلت بالنور الذي ظهر في ذواتها على أثر التجلى فحجبت به عن مصدر الأنوار والتجلي وعلى أثر ذلك جحدت ما سوى ذاتها.. وكان ذلك بعد إقرار الأرواح كلها بربوبية الله تعالى، وفي هذا المشهد تعارفت أرواح أهل الإيمان وتآلفت.. وتناكرت أرواحهم مع أرواح أهل الكفر فاختلفت.

وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف".. ومن هنا جاء حنين أرواح أهل الإيمان التي التقت وتعارفت في عالم الأرواح وتآلفت وتشوقت وحنت إلى اللقاء والرؤية في عالم الظهور المعايش الآن..

هذا ومعلوم أن الأرواح خارجة عن حكم الزمان والمكان فلا زمان ولا مكان يفصل ويحول بين الأرواح وذلك لأنها نفخة الرحمن سبحانه وتعالى وهي من أمره عز وجل.. هذا وهناك دلالات كثيرة على لقاء الأرواح القديم والتآلف والشوق والحنين إلى اللقاء منها.. الدلالة العقلية والمنطقية التي تقول، ليس هناك شوق وحنين لمجهول فالشوق والحنين عادة ما يكون لشيء معلوم.

ومن الدلالات أيضا، أننا لم نر الأنبياء والمرسلين عليهم السلام ومن بينهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ولم نلتقى في عالم الظهور بهم إلا أننا نحبهم ونحن ونشتاق إلى رؤياهم ولقائهم. وكذلك لم نر آل بيت الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا الأولياء والصالحين الذين سبقونا وبالرغم من ذلك أننا نحبهم ونشتاق إليهم ونحن إلى لقائهم ورؤياهم. وما كان هذا الشوق والحنين إلا على أثر لقاء أرواحنا بأرواحهم الطاهرة في عالم الأرواح. عالم العهد والميثاق والإقرار بربوبية الله تعالى.

هذا وعندما تزكوا النفوس وتصفى القلوب وتسموا الأرواح تتصل الأرواح السجينة في الأجساد بأرواح أهل البرازخ مع وجودها في عالم آخر. هذا وكما ذكرنا إن الأرواح خارجة عن حكم الزمان والمكان. هذا وعلى أثر تعلق أرواح أهل الإيمان بحضرة ربها ومولاها يعانون من نيران الأشواق إليه سبحانه ويعانون من مرارة اليتم وألم الغربة وذلك لتعلق أرواحهم بمحبوبهم عز وجل.
الجريدة الرسمية