بيوت لا يطرقها العيد
يبدأ اليوم الأربعاء عيد الفطر المبارك؛ وينتهى الجمعة دون أن يطرق بيوتا مصرية يغلبها الحزن لغياب سبب بهجتها؛ طفل شقاق؛ أراد له قانون الرؤية العقيم حرمانه من نصف أهليته جهة الطرف غير الحاضن.
في مصر قانون يتحدث عن أحكام قضائية وقرار لوزير العدل بتنظيم "رؤية" أحد الأبوين لطفله داخل أسوار مغلقة تحت حراسة لا تنفع متى نشبت حرب مسلحة بين عائلتين تكيد إحداهما للأخرى، والمناسبة الأسوأ أن يكون تنظيم الرؤية يوم الجمعة والذي ربما يصادف أحد أيام العيد؛ ويستحيل معه إلزام الطرف الحاضن بالحضور بالطفل لظروف ما أو نكاية وتنكيدا على الطرف غير الحاضن، وفى كل الأحوال يظل نظام الرؤية تنكيلا بالطفل نفسه لما يلتصق به من اعتبارات غير أخلاقية يتيحها القانون.
بين هذه الاعتبارات؛ شعار "ممنوع اللمس" الذي يرفعه الطرف الحاضن بوجه غير الحاضن متى حاول الاقتراب من الطفل، والحض على الكراهية كظاهرة باتت تمارس ضد الطفل لينفجر بقهره وغضبه بوجه أحد أبويه، كأن يقال لصغير "أبوك خارج من السجن.. أبوك شاذ جنسيا.. أبوك عاوز يحرمك مني... أمك باعتك علشان تتجوز راجل تانى.. إلخ"، في مقابل آباء قرروا تحدى نفس القانون ومخالفته بانتزاع الطفل جبرا من الطرف الحاضن والاختفاء به بعيدا؛ وليضرب الأخير رأسه بأقرب حائط فلا تنفعه قرارات تسليم صغير ولا وقت لدى شرطة غير متخصصة لتنفيذها.
القانون الغريب هذا؛ مع تعديلات رفع سن الحضانة خلال السنوات الأخيرة لتصل إلى ١٥ سنة مع تخيير الصغير بين أبويه بعدها؛ جعلت من أطفال الشقاق سبوبة للطرف الحاضن وسببا لإشقائه، كما حولت غير الحاضن وأهليته إلى وجوه تعلوها الكآبة وتتزايد مع أيام شوال الثلاثة الأولى التي لا يطرق العيد بيوتهن خلالها بالضرورة.
مجالس ومنظمات نسوية نشرت قياداتها مؤخرا مصطلح "مكتسبات المطلقات" وحصرتها في الخلع وسن الحضانة، وأعلنت ألا تراجع عنهما كما طالبت بمكتسبات أكبر ظهرت في مواجهتها حملات داعية لمقاطعة الزواج من مصريات، لكن رقيبا لم يحرك ساكنا لنصرة مجتمع يهتز لدعوات قطع صلات الأرحام؛ كما لم يفكر المشرع في دراسة موضوعية متأنية جديدة بعيدا عن جماعات الضغط ومنظمات المصالح؛ ليعيد للأسرة إتزانها بتشريع يحمى الفئة المستضعفة بها أولا؛ الطفل بالتأكيد.
قدم نواب عددا من الأفكار لتعديلات تشريعية تستهدف خفض سن الحضانة وسن قانون للرعاية المشتركة والمعايشة لأطفال الشقاق بين عائلتي الوالدين حتى بعد الطلاق، لكن شاشات الفضائيات سمحت لداعيات بحرمان الطفل من أبيه وتمييز المطلقة على حساب المطلق؛ لمجرد الانتصار لفكرة تحقيق مكتسبات جديدة لتلك الشريحة من النسوة، وكأنهن يفرضن على المطلقة ذاتها ما يفوق طاقتها حال راجعت موقفها من شريك حياة لتعاوضه وتستقر بحياة جديدة دون تداعيات أكبر لانهيار مشروعها الأسري الأول.
يدعم هذا التوجه؛ محامون ومحاميات؛ لهم ولهن صفة "ناشط وناشطة"؛ ترتبط أفكارهم بمصالح تبقى بتفاقم المشكلة واشتعال الصراع بين عائلتي الوالدين داخل محاكم الأسرة؛ وامتدادها إلى ساحات محاكم الجنايات بسبب جرائم عنف وبلطجة تشهدها مراكز رؤية غير آدمية، وربما كانت نموذج "المحامية الناشطة" ذاتها هي نفس الحالة المجتمعية لمطلقة تجسد دورين أمام الكاميرات وقت اللزوم، فتدافع عن الحق بطريقتها الخاصة خارج الاستوديو؛ وتنتصر لفكرة المكتسبات التي تخدم دافعات الأتعاب على الهواء؛ عقب جلبهن بعبارات مثالية "ابقى خدى رقمى من الكنترول وكلميني بعد البرنامج وتعالى مكتبي".
هناك نائبات تحت قبة البرلمان انتصرن لفكرة المكتسبات انطلاقا من رؤية جندرية لقانون جديد لا يحقق عدلا ويعصف بحقوق الطفل كما يقتل مفهوم الأبوة داخل مجتمعنا، ولا ظهور لهن إلا مع ناشطات من تلك العينة الأولى التي يستقيم حديثهن مع أفكار جندرية قد تدعو لتطوير مفهوم "السينجل مازر" خلال سنوات إلى تشريع يسمح لنساء بأطفال عبر بنك للحيوانات المنوية؛ في مقابل ظاهرة "سينجل فازر" ربما تتطور كرد فعل مقابل؛ يدعو أصحابها إلى استحداث تشريع يسمح باستئجار الأرحام، وليذهب مشروع الزواج والأسرة إلى أرشيف التاريخ المجتمعي.
في دول غربية تقدر حقوق الطفل والنساء كمواطنين أولا؛ تقر برلماناتها قوانين للرعاية المشتركة والمعايشة لأطفال الشقاق؛ يحل خلالها القاضي طرفا مدافعا عن حق الصغير لدى الأبوين مسبقا بعقد الزواج؛ وبعد الطلاق، وبموجب القانون يؤول منزل الزوجية بمشتملاته للصغير ويحل الأبوان المطلقان ضيفين عليه يطبقان التزاما قانونيا نحو برعايته لأيام منتظمة متعاقبة..
وفى الولايات المتباعدة يسمح بنظام خاص لطفل الشقاق بكافة جهات الدولة وبينها المدارس لتتاح له فرصة المعيشة في ظل رعاية أبوين، وفى الحالات الخاصة يسمح للقاضي بسلطة تقديرية لدراسة كل حالة بما يخدم حق الصغير، كما لا يسمح بسفره مع أحد الأبوين دون إذن قضائي خاص، ويحل القاضي خصما للأبوين حال إخلال أحدهما برعايته ونفقته واستقراره ببيته وتعليمه وغير ذلك.
هذا النظام؛ يسمح بالتأكيد للأبوين المطلقين أيضا ببناء حياة زوجية جديدة مع أطراف أخرى؛ وتجارب حياتية مختلفة تعيد الاستقرار النفسي للرجل والمرأة بعد الطلاق والانفصال، أو ربما إعادة دراسة وتقييم علاقتهما في ضوء رؤية مختلفة لمستقبل صغيرهما، فحلول "الأسرة البديلة" يلجأ إليها الفاشلون وحدهم في تقييم مستقبلهم الاجتماعي والعائلي؛ وربما يفرضه القاضي عليهم لمصلحة الصغير.
في مصر؛ يضع القانون الحالى حقوق الطفل بيد الطرف الحاضن؛ النساء غالبا؛ كما يرجح فكرة رعاية النساء أولا له مهما تباعدت صلاتهن به، على حساب الطرف غير الحاضن؛ أو الأب؛ الذي لم ينجبه بإذن من جدته لأمه أو خالته أو من تشابهن معهما في ترتيب أولوية حضانة تسبقه شخصيا كأب وولي؛ بالمخالفة للنص القرآني "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"، و"وصاحبهما في الدنيا معروفا"؛ والنصوص التشريعية والدولية الواردة باتفاقية حقوق الطفل والتي تقر مبدأ رعايته بين أبويه وأهليتهما وتحمى حقه في صلاته الدائمة بهم.
القانون المصري هذا؛ شتت حياة نساء مطلقات وخدعهن بوهم التضحية المجانية بشبابهن أو وضعهن في معضلة التمكين الاقتصادي والسياسي مع الحضانة بمسؤولياتها الأبدية؛ وجعل بعضهن في مرمى الاتهام باللجوء لزواج غير موثق خشية إسقاط حضانة الصغير عنهن، في مقابل ظهور عينة من الرجال لا يتفق لقبهم وممارساتهم بحق أبنائهم المحرومين من الإنفاق بالتحايل على القانون أو الهروب من تنفيذ الأحكام القضائية بذلك.
إن قانونا للرعاية المشتركة والمعايشة لأطفال الشقاق؛ يمكن للمشرع؛ بضمانات وعقوبات واضحة وصلاحيات للقاضي؛ أن ينهى مأساة مجتمع يعيشها أكثر من نصفه بحسب تأكيدات رئيس الجمهورية نفسه؛ ويجعل أعيادا دينية وقومية تطرق مجددا بيوت المصريين؛ ويعزز ولاء الطفل لوطنه عبر قدوته الأولى؛ الأب والأم؛ مهما تباعدا بعد أن ارتكبا فعلا حلالا؛ الزواج والطلاق، والذي لا يستحق أحدهما عنه وطفله عقوبة قطع الأرحام؛ استجابة لدعوات مدمرة لمجتمع لم يفلح الإرهاب والطائفية والفساد والاستبداد في وأد أحلام أفراده لوطنهم في مستقبل أفضل.
القانون المرجو؛ سيدحض مزاعم وهري عينة الناشطات والمحاميات إياها؛ في محاولة ترسيخ صراعات سخيفة حول وضع حق النفقة في مقابل حق الرعاية للطفل، وهى أكاذيب مروجة نقدم في مقابلها تصورات لحلول قاطعة عبر تشريع بعيدا عن نواياهن الخالصة لحسبة مصالح منظماتهن ومجالسهن ومكاتبهن بالضرورة، نسوقها في مقال جديد لاحقا. كل عيد وأطفالكم بين أحضانكم.