حتى رمضان!
أبى الشهر الفضيل أن يغادر دون أن ينال من سخرية المصريين، وهو الحالة الروحانية الأعمق في تاريخ المسلمين وشعائرهم.. السبب ليس في "رمضان"، وإنما في أولى الأمر الذي لم يهن عليهم أن يتركوا نهايته دون أن يباركوه بحالة ارتباك لم نر لها مثيل من قبل إلا في قاموس "معمر القذافي"، المقتول قهرا بعد أربعين عاما من الافتكاسات التي قدمها على مسرح الحياة السياسية الساخر والحبلى بمزيد من الأفكار والأطروحات والخزعبلات.
بطل القصة هذه المرة فضيلة المفتى.. مصر قالت منذ أيام أن علماء الفلك حددوا نهاية رمضان يوم الإثنين ٢٩ رمضان الموافق ٣ يونيو الجارى، وقالوا فيما قالوا إن رؤية الهلال ستكون متعذرة غير أن الحسابات الفلكية طرحت على المصريين الثلاثاء عيدا.. وفي اليوم التالي خرج علينا مركز إماراتى يدعي لنفسه أنه مركز مراكز المراصد العالمية للفلك.. قال المرصد المزعوم إن أول أيام العيد ستكون الأربعاء.
ارتبك الموقف المصرى دون مبرر أيضا ودون داعٍ، خاصة بعد أن تسرب عن الأشقاء السعوديين أن مراصدهم الفلكية ستطرح يوم الأربعاء أول أيام العيد.. تراجع المرصد المصرى أمام المرصدين الإماراتى والسعودى وبدأ في إعادة فتح "المندل" و"رش البخور" وهاتك يا عفركوش يا برتكوش يا هاموش، وسرت في شرايين السوشيال ميديا موجة من الانتظار ورعشة من الترقب وما بين خدم المندل وعفاريت "علاء الدين" تحول المشهد إلى ما يشبه الدوري المصري الذي لايعرف أحد من سيفوز به حتى الآن.
ولأن الحسابات الفلكية ليست مباراة كرة، ولأن بدايات الشهور العربية ليست مسابقة ولا لعبة قمار، ارتفعت حدة الهزار على فيس بوك وتويتر، وتحول حديث المقاهى إلى ضرب الاخماس في الأسداس للوصول إلى واسطة في العواصم العربية المتصارعة حول مراصدها وعلماء فلكها للوصول إلى قرار..
نشرت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية والمصرية آلاف الموضوعات حول حالة الارتباك ويبدو أن الجميع كان متفقا على إنهاء شهر رمضان يوم الإثنين!
في حركة مفاجئة أكلت مراصد الإمارات كلامها وعاونتها السعودية فكان الخبر الجديد أن الثلاثاء أول أيام عيد الفطر المبارك، أما مصر التي كانت قد قررت منذ أيام أن الثلاثاء هو أول أيام عيد الفطر عادت فجأة وعلى لسان فضيلة المفتى ليعلن أن "غدا الثلاثاء هو المتمم لشهر رمضان وعليه فإن الأربعاء هو أول أيام عيد الفطر المبارك".
تصورنا أن الأمر انتهى إلا أن ماكينة التواصل الاجتماعى انفجرت بعد أن ظهر بيان جديد يؤكد أن دار الإفتاء ستعقد مؤتمرا تعلن فيه عن استطلاع هلال شوال، وهنا أسقط في يد الجميع.
أما العالمون ببواطن الأمور فقد قالوا: "ومتى اتفق المسلمون أصلا حتى يتفقوا على العيد؟ وقالوا فيما قالوا إن المفتى أصدر بيانه دون دراسة الموقف.. يا إخوانا هذا هلال شهر عربى لا دراسة ولا مواقف فيه.. قالوا إن الدار أعلنت عن المؤتمر لتتراجع فيما أدلى به فضيلة المفتى.
خلاصة القول أن الارتباك طال رؤية الأهلة، وتحديد يوم العيد، وبدا أننا بحاجة إلى خبرات جديدة، حيث إن الأعياد والمناسبات والشهور العربية أمر جديد علينا، ونحن غير مؤهلين للتعامل مع هذه التكنولوجيا.. تكنولوجيا الشهور العربية!