حكايات الست ناشطة!
خلال عامين ماضيين شهدت فضائيات مصر تكثيفا لبرامج "نسوية" في إطار اتجاه مستحدث نحو الاهتمام بالمرأة؛ مع تصنيفات واضحة لها تؤيد ضرورة سيادة نموذج اجتماعى وحيد، المطلقة تحديدا، على حساب الأم الحقيقية والجدة والعمة؛ والرجل بمختلف توصيفاته المجتمعية.
ماسورة البرامج؛ فرغت فيها نسوة شحنات غضب تجاه مجتمع يزعمن أنه "ذكوري"؛ رغم أن تشريعاته المدونة وقوانينه المجتمعية تؤكد أن النساء يحكمن بيوت مصر ويتحكمن في بناء عقول رءوس مؤسساتها، وهو إنجاز يتطابق وقول الشاعر "وإذا النساء نشأن في أمية.. رضع الرجال جهالة وخمولا".
لكن شريحة من عينة النساء التي تسيدت شاشات الفضائيات وصرن مصدرا لمعلومات محرري مواقع ومعدي برامج هنا وهناك؛ لا تعيش في أمية بعد علم؛ بل تركت ثمار تعليم أخريات لجيل جديد من ممارسي العمل الإعلامي؛ تؤتى في الاتجاه الخاطئ دون تصويب منها؛ عمدا؛ حتى أصبحت بوستات "الست ناشطة" هذه والعبقرية تلك؛ مرجعية فلسفية تستند إليها رؤي بناء عقول تتلقى رسائل يفترض أن تكون تنويرية على أقل تقدير.
المناسبة التي استدعت حديثي الآن عما يدور على ألسنة بعضهن من تزييف عمدي لحقائق؛ مرور ١٤ سنة على ذكرى "أربعاء الاستفتاء الأسود" على تعديلات مبارك للمادتين ٧٦ و٧٧ من دستور ١٩٧١، والذي جرى في الخامس والعشرين من مايو عام ٢٠٠٥، وقتها شهد العالم على جريمة تعرية نظام حكم أمام نقابة الصحفيين حينما طالت أيادى ميليشيات الحزب "المنحل" صحفيات وناشطات حقيقيات، وسط صمت وتواطؤ المجلس النسوى الكبير وقتئذ، وثورة ناشطات منظمات؛ تغيرت حساباتهن بعد ٢٠١١ تماما.
الفارق الزمني بين مواجهة حقوقية لنظام مبارك وقيام ثورة شعبية ضده؛ يكمن في فارق معرفي بين مرجعية "حقوقية دولية" لقيادات تلك المؤسسات وقتئذ، ومرجعية "جندرية" يعلن عنها بامتياز حاليا؛ تستهدف محاولة إسقاط مصر في محنة دولية؛ إذا ما انحازت تشريعات ما بعد ٢٠١٤ لغير التزامات مصر الدولية الواردة بمواثيق تلقت مؤسساتهن دعما من هنا أو هناك للترويج لها والدفاع عنها.
قبل ٢٠١١ ؛ كان الهجوم على نظام مبارك لأنه لا يحترم تلك الاتفاقيات الدولية ولا يفعلها بتشريعات برلمانه؛ وبينها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والميثاق الأفريقي ومثيله العربي لذات الفئة العمرية، ولم لا؛ وقد كانت إدانة نظام مبارك قاريا عن تقصيره في تحقيقات بشأن اعتداءات بلطجية "المنحل" على فتيات مصريات؛ صدرت بعد خروجه من السلطة بثلاث سنوات تقريبا.
رسائل العينة المتفردة من الناشطات؛ للمجتمع المصري؛ والتي تصب في اتجاه تقطيع صلات الأرحام وعزل أطفال الشقاق عن ذويهم واعتبارهم جزءا من مكتسبات ما بعد الطلاق مع قائمة المنقولات والنفقات وغيرها، تتسق تماما وتوجهات تمكين "عينة" من النساء؛ وهى المرأة المطلقة، والاحتفاظ بتلك المكتسبات لها شريطة أن تظل مطلقة، على أن تدور أسطوانة تشويهها كزوجة أب أو زوجة ثانية لتحل في مرتبة أدنى حال توافقها مجددا مع "رجل" على مستقبل مشترك، وإنكار وجودها جدة أو عمة.
كارثة اللعبة السخيفة هذه المرة تتأكد مع توقيت يصنف فيه المجتمع الدولي مصر كمجتمع جديد بعد دستور ٢٠١٤ وتعديلاته وانتخاب رئيس وبرلمان للبلاد، بمعنى أن مصر لم يعد لديها "حجة" لتأجيل إنجاز إصلاحات تشريعية تتفق معها قوانينها وما تقره المواثيق الدولية من التزامات، تؤكدها حضور المادة ٩٣ من الدستور والتي تعتبر الاتفاقيات الدولية جزءا من التشريع الداخلي.
هنا؛ ستكون وسائل الانتصاف القضائي الداخلية خطوة أخيرة تسبق إجراء نهائيا كحق أصيل لمواطنين حال ثبوت تضررهم من إهمال أو تجاهل المشرع سن قوانين تعيد لهم حقوقهم؛ وأولها الحق في لم شمل الأسرة والمجتمع حتى مع وقوع شقاق أو طلاق.
المادة الدولية تقر مبدأ الرعاية المشتركة والمعايشة للطفل بين والديه وأهليتهما دون انتقاص؛ وترفضها منظمات الناشطات التليفزيونيات، الرسائل "الجندرية" المقسمة للمجتمع كانت وراء تزايد معدلات الطلاق لأسباب تافهة لا تليق بمشروع الزواج ومقامه، والثقافة المدمرة لحياة شباب وشابات في مقتبل العمر لا تستهدف فرض سيادة نسوية على مجتمع متهم بالذكورية؛ لكنها تقصد هدم الأسرة المصرية باستقطاب عقول النساء صلب البيت المصري؛ بتوجيه طاقاتهن نحو معركة لا عدو فيها؛ متسلحات بما لا تستحقه من تشريعات تريد "الست ناشطة" تمريرها مستقبلا، وقوانين لا يحمد عقباها ستكون تداعياتها على المجتمع أخطر من مثيلاتها بقانون الأحوال الشخصية الحالى على كل أفراد الأسرة وأولهم الطفل.
نحتاج مجتمعا أهليا قويا داعما لمستقبل دولة تتبنى قيادتها سياسة بناء البشر قبل الحجر، وليس مجتمعا أهليا نخبويا داعما للشقاق والشتات، وهو اختبار جديد لبرلمان مطالب بتغيير قانون الجمعيات الأهلية؛ وقانون الأحوال الشخصية والأسرة الذي نسرد كوارثه في مقالات تالية.