تمكين المرأة بقانون الرعاية المشتركة
انطلقت إستراتيجية تمكين المرأة المصرية 2030 كرؤية قومية لا يمكن تجاهل بعدها الاقتصادي بالأخص؛ إلا أنه لا يكتمل دون تعزيز وجودها اجتماعيا كقاسم مشترك مع الرجل فاعل في تنفيذ كل خطة يتبناها أي نظام حكم.
ربما طغت المصطلحات على حساب الرؤية؛ فصرنا نسمع ألفاظا من عينة "مكتسبات" و"امتيازات"؛ وقد بنت صاحباتها تصوراتهن للمستقبل على حساب "الآخر"؛ الذي لا تكتمل الصورة دونه بالضرورة، فأصبحن خطأ هدفا غير مدرج على أجندة إستراتيجية حقيقية يلزم الدولة تحقيقها اعترافات منها بقصور رؤي ما في وقت ما بدور المرأة في المجتمع.
هذا الدور؛ يتعاظم نظريا على المستوى السياسي بتمكين دستوري برلمانيا، لكنه لا يتأكد بحسبة المحاصصة بل بفاعلية ربيبات المقاعد التشريعية ودورهن على المستوى الرقابي أيضا؛ هنا يمكن القول أن تجربة التمكين السياسي تنجح باقتدار؛ ولا تحتاج المرأة بعدها لتمييز إيجابي "مؤقت"، حيث لا حاجة لناخب في اختيار مرشح "رجل" لمجرد أنه "ذكر" أو مالك للمال والنفوذ، إنما سيصبح أداء النائبات أساسا لقاعدة جديدة تتغير معها ثقافة الناخب؛ وإلا باتت المحاصصة تمييزا مخالفا للمباديء الدستورية؛ وللدستور نفسه الذي يقر مبدأ المساواة بين المواطنين وعدم التمييز على أساس الجنس أو غيره.
المرأة بشر؛ لها من العقل والجهد والوقت والقدرة ما لا يميزها عن غيرها من بنى جنسها؛ إناثا أو ذكورا؛ ولا يمكن استيعاب فكرة تمكينها سياسيا عبر حضور بالمحاصصة تحت قبة البرلمان أو بحقائب وزارية، أو المطالبة لها بحصص وظيفية؛ دون تسهيل مهامها على المستوى الاجتماعى.
وهنا نجد أصواتا نسوية تقف ضد نجاح المرأة ذاتها بتوريطها في مسؤوليات أكبر من طاقاتها؛ حينما يدافعون عن رعاية منفردة للطفل لدى النساء وحدهن، بالمخالفة للدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة التي صدقت عليها مصر منذ سنوات وعقود.
آية ذلك؛ أن نفس المكايدة السياسية التي حملتها نسوة ضد مرشحات للبرلمان لمجرد أنهن متفوقات بالفعل؛ ومساندتهن لمرشحين من ذوى المال والنفوذ على حساب قراءة متعقلة لرؤية النساء المرشحات للبرلمان خلال ٤ عقود مضت، كانت وراء تراجع تمثيل النساء برلمانيا، ما كان يدفع رؤساء لتسميتهن ضمن قائمة المعينين، وانتهجت أحزاب نفس نهج الأنظمة فضربت صفات "المرأة والشباب والعمال والفلاحين" في خلاطات قوائمها المهترئة، لتحصل النساء نهاية المطاف على الفرص الأدنى من الحضور البرلماني والوزاري.
واجتماعيا؛ اتفقت صاحبات مصطلحات "المكتسبات والامتيازات.. و.." ضد المرأة مجددا بعد تصعيدها سياسيا ومحاولات تمكينها اقتصاديا، فاعتبرن معارضتهن لقانون جديد للرعاية المشتركة والمعايشة لأطفال الشقاق؛ كيدا في الرجال؛ انتصارا للمرأة، ليحكمن على تجربة تمكينها السياسي والاقتصادي مقدما بالفشل ويضعن العراقيل أمامها، وهو أمر لا يحتاج لمعادلات إذا ما اتفقنا على أن بناء طفل أصعب من بناء مدينة.
مشروع بناء الطفل المصري؛ لا يمكن تأكيد نجاحه دون رعاية مشتركة ومعايشة له بين والديه وأهليتهما، ومتى اجتمعت الظروف على مخالفات أطراف الأسرة لهذا المشروع والهدف؛ الذي لا أظنه يبتعد بنا عن استراتيجيات الدولة، فعلى مؤسستها التشريعية؛ والقضائية أيضا؛ التدخل لتصحيح مسار مستقبل ١٥ مليون طفل شقاق في مصر؛ تحدث عنهم رئيس الجمهورية بمؤتمر الشباب بكفر الشيخ قبل شهور، محذرا من أزمة مجتمعية؛ لن نجد لها حلا مع خداع نسوة ذوات صوت عال مجددا للمرأة المصرية بأكذوبة مفادها أن رفع سن الحضانة إلى ١٨ سنة والإبقاء على نظام "الرؤية" ٣ ساعات لأطفال الشقاق وآبائهم؛ أو بالأصح "الطرف غير الحاضن"؛ سيمثل مكتسبات جديدة للنساء.
إن قانونا للرعاية المشتركة والمعايشة تلتزم معه الدولة بتعهداتها؛ ومرجعيتها الشرعية "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"؛ والمدنية "المواد ٧ و٨ و٩ من اتفاقية حقوق الطفل"؛ على السواء، يمكن أن يكون حلا عبقريا لأزمات المجتمع المصري.
تلك الأزمات ازدادت تعقيدا بعد ٢٠ عاما من تطبيق تعديلات إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية وسن قانون خاص بنظام محاكم الأسرة؛ لم يقدم حقا ولم يمنع ضررا عن نواة المجتمع الأولى؛ ورفع معدلات الطلاق مع خطوات رفع سن الحضانة واستحداث كارثة تخيير الصغير بين أبويه، ولا يعقل أن تطلب أصوات نسوية "مكتسبات" للمرأة في قوانين خاصة أثبتت فلسفتها فشلا ذريعا؛ ثم نطالب المرأة المصرية بنجاحات مستحيلة مع تلك الأعباء، ناهيك عن أن الحديث عن "مكتسبات" في قانون يجعله تشريعا غير عادل مقدما.
إن فكرة "المحاصصة" تتفق تماما ومبدأ المسئولية المشتركة الذي نلتفت عنه جميعا، ولو نظرنا إليه بموضوعية تامة لوجدنا "الرعاية المشتركة" في صالح إستراتيجية تمكين المرأة المصرية تماما؛ لكنه يخالف هوى صاحبات الصوت العالي والتجارب الشخصية الفاشلة؛ ومن طغت نعرات المكايدة على حقيقة يدركنها تؤكد أن "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، والرعاية لا تعنى تحمل طرف مسئولية التربية والتنشئة منفردا؛ وتحويل طرف آخر إلى مصدر للمال وفقط أو بطاقة ATM؛ كما يصنفهما قانون الأحوال الشخصية الحالى.
ربما كان مقالنا هذا مقدمة لشرح تفصيلي آت لأزمات الأسرة والمجتمع؛ التي لو لم نقدم من خلال كتاباتنا الطوعية تصورات لحلول لها؛ لتحولنا إلى جزء من الأزمة ذاتها؛ يعاني الوطن معنا والأجيال القادمة مستقبلا..، والله المستعان.