الحزام والطريق أمل صيني لمصر والعالم
أصبحت مبادرة الحزام والطريق التي قدمها الرئيس الصيني "شى جين بينج" للعالم ملء السمع والبصر وحديث كل دول العالم تقريبا، سواء الدول التي انضمت لها أو الدول التي تعادي تلك المبادرة، وحتى نفهم هذه المبادرة جيدا يجب أن نربطها بظروف الصين الحالية من ناحية القوة الاقتصادية التي فاقت الحدود وتعدت التوقعات إلى أن وصلت القوة الأولى في العالم، والتي صارت دائنة للولايات المتحدة الأمريكية بتريليونات من الدولارات..
ففي هذا الوضع صار الهدف الأساسي للصين هو أن تصير القوة الأساسية في العالم صاحبة النفوذ، وأن تصير عملتها -اليوان- العملة الأولى في العالم متخطية الدولار، وأن تصبح الحضارة الصينية هي السائدة بين دول العالم، ومع الانتهاء من مبادرة الحزام والطريق في 2049 يكون بمثابة إعلان لسيطرة الصين على الاقتصاد العالمي.
وفي سبيل ذلك تسعى الصين إلى ضم الدول للمبادرة دون أن يكون وراء ذلك قوة غاشمة أو تهديد وترهيب كما تفعل أمريكا، وإنما الهدف الأساسي للصين كما ذكر الرئيس الصيني -مع نشر نفوذها الثقافي والاقتصادي- التواصل وتعميق التعاون والجهود المشتركة، من أجل التصدي للتحديات والمخاطر التي تواجه البشرية وتحقيق المنفعة للجميع.
ومبادرة الحزام والطريق هي مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية. فالمبادرة تهدف إلى إحياء طريق الحرير القديم الذي هو عبارة عن مجموعة من الطرق المترابطة كانت تسلكها القوافل والسفن وتمرّ عبر جنوب آسيا رابطةً تشآن (والتي كانت تعرف بتشانغ آن) في الصين مع أنطاكية في تركيا بالإضافة إلى مواقع أخرى.
وكان لطريق الحرير تأثير كبير على ازدهار كثير من الحضارات القديمة مثل الصينية والحضارة المصرية والهندية والرومانية حتى أنها أرست القواعد للعصر الحديث.
وتهدف مبادرة الحزام والطريق إلى عودة الاقتصاد الصيني إلى سابق عهده، فقد كان في عام 1820 هو الاقتصاد الأكبر في العالم، لكن الثّورات الصّناعيّة في الغرب أنهت هذا التّفوق من خلال الفترة ( 1820 - 1978 )، حيث انحسر الاقتصاد الصّيني (لمقياس النّاتج المحلي)، كنسبة مئويّة من الاقتصاد العالمي بشكل مستمر ووصل إلى أدنى مستوياته خلال الفترة (1952 - 1978).
وقد كُشف عن مبادرة "شي جين بينغ" في سبتمبر وأكتوبر 2013، خلال زيارات إلى كازاخستان وأندونيسيا، وتمت ترقيته بعد ذلك من قبل رئيس الوزراء "لي كه تشيانغ" خلال الزّيارات الرّسميّة إلى آسيا وأوروبا. كان التركيز الأول على الاستثمار في البنية التّحتيّة، والتّعليم ومواد البناء، والسّكك الحديديّة والطّرق السّريعة، والسّيارات والعقارات، وشبكة الطّاقة والحديد والصّلب.
وتغطي هذه المبادرة أكثر من (68) دولة، بما في ذلك 65٪ من سكان العالم، وَ 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017، لذلك يقدر أنّها ستدرج ضمن أكبر مشاريع البنية التّحتيّة والاستثمار في التّاريخ.
وتتضمن المبادرة عدة محاور، منها المحور التجاري، فالصّين ترغب بالمحافظة على أسواق التّصدير، وفتح أسواق تصدير جديدة، فتتحول هذه المبادرة تدريجيًا إلى تحالفات تجاريّة ترسخ مكانة الصّين تجاريًا بشكل مستدام، ففي عام 2017 بدأت الصّين تجني أرباح هذه المبادرة فارتفعت صادراتها إلى الدّول التي تقع ضمن المسارين (الحزام والطريق) بنسبة 16٪، ونمت وارداتها بنسبة 27٪، وزيادة الواردات بدوره يؤدي لزيادة الإنفاق وتعزيز اقتصادها.
والمحور النقدي إذ تسعى الصّين لزيادة التّبادل التّجاري بالعملة الصّينيّة، ومن فوائدها تقليل تكلفة التّبادل التّجاري، وتقليل وقت التّسويّة (قياسًا بالتّعامل باليورو أو بالدولار)، وتقليل مخاطر تقلبات أسعار الصّرف بالنّسبة لشركاتها. وتروج الصّين لاستخدام (اليوان) في التّعاملات التّجاريّة والمشاريع، حيث إن اتساع استخدام عملتها يجعلها عملة احتياطية وعملة صعبة.
ومن بين جهود الصّين أيضًا فتح بورصة لتداول عقود النّفط باليوان الصّيني، لذا فإنّ (اليوان الصيني يهدد الدولار)، من جهة لأن الصّين أكبر مالك للاحتياطات الأجنبية بـ 3 تريليونات دولار، ومن جهة أخرى لأنّ 10،92 من احتياطات الدّول لدى صندوق النّقد باليوان، لذا فهو الثّالث بين العملات الأكثر استخدامًا كاحتياطي لدى صندوق النّقد.
وجدير بالذكر أن التعاون الاقتصادي بين مصر والصين يبلغ 12 مليار دولار، ويوجد بمصر 1354 شركة صينية منها 702 شركة صناعية، و70 في الإنشاءات، و300 في مجال الاتصالات. ومتوقع في خلال 3 سنوات من بدء المشروع سيتضاعف التعاون بين مصر والصين إلى أكثر من 120 مليار دولار سنويًا. كما أنه من ضمن الأهداف الأساسية لمبادرة "الحزام والطريق" تأمين حصول الصين على النفط والغاز الطبيعي التي تحظى مصر بوفرة نسبية منهما.