«الإمام والوزير.. في اختلافهما فتنة».. عدم التوافق يعرقل مشروع «أكاديمية الدعاة الموحدة».. الأزهر يفتتح أكاديمية تدريب الدعاة وسط تمثيل ضعيف لـ«الأوقاف».. والوزارة ترد بـ
فيما يمكن وصفه بـ«الحرب الباردة»، لا تزال الأزمات دائرة ومحتدمة بين الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ووزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة.
أحدث أزمات «الحرب الباردة» بين الإمام والوزير تمثلت في «أكاديمية تدريب الدعاة والأئمة»، فعلى مدار الأعوام فشلت الاجتماعات التحضيرية التي جمعت الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، للاتفاق على آلية عمل تجمع المؤسستين تحت أكاديمية واحدة، لتدريب الأئمة وتأهيلهم طبقا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ قرابة الأربعة أعوام، ليخرج كل طرف منهما ليعلن عن تدشين أكاديمية منفصلة لتدريب وتأهيل الأئمة والوعاظ.
غياب تمثيل الأوقاف
الأزهر الشريف افتتح الأسبوع الماضى أكاديمية التدريب والتأهيل الخاصة بالدعاة، وسط غياب تمثيل قوي من وزارة الأوقاف، في حفل الافتتاح الذي اقتصر على وجود عدد من وكلاء الوزارة، وأكد الدكتور محيي الدين عفيفي، أمين مجمع البحوث الإسلامية، في كلمته خلال حفل الافتتاح، أن الأكاديمية تأتى في إطار دور الأزهر الدعوي، وتدعيمًا لجهود الدولة في حربها ضد الإرهاب، وفي نفس اليوم، أعلنت وزارة الأوقاف عن افتتاحها لأكاديميتها الرسمية لتأهيل وتدريب الدعاة خلال الأسبوع الجاري، وأعلن الدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف عن أمانة الأكاديمية، والتي تشمل عضوية كل من: الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، والدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، ومصطفى الفقي رئيس مكتبة الإسكندرية، والدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، وسط غياب أي من قيادات الأزهر.
خلاف حول آليات الرقابة
مصادر مقربة من الجانبين كشفت أن هناك خلافا كبيرا نشب بين شيخ الأزهر ووزير الأوقاف حول آليات الرقابة والإشراف على مهام عمل الأكاديمية، موضحة أن الأزهر يريد أن يكون صاحب الإشراف الكامل على منظومة عمل الأكاديمية، وهو ما رفضه الدكتور مختار جمعة جملة وتفصيلًا، وأرجعته المصادر إلى تخوف الأخير من أن تصبح الأكاديمية وسيلة لهيمنة الأزهر على الدعاة والأئمة التابعين رسميا للأوقاف، خاصة بعدما اشترط الأزهر أن يكون الالتحاق بالأكاديمية إجباريا وعاملا أساسيا في الترقيات، الأمر الذي دفع الوزير إلى تنفيذ فكرة المشروع بعد عامين بعيدا عن عيون الأزهر.
وأشارت المصادر إلى أن الأزهر وضع من ضمن شروط الأكاديمية شرطا بأن يكون الالتحاق بها قبل التعيين، أي يكون شرطا للتعيين، وهو ما رفضه وزير الأوقاف، وطالب بأن يكون الالتحاق بعد التعيين، نتيجة لتخوفه أن تستخدم الأكاديمية سلاحا من الأزهر على الأوقاف للهيمنة على تعيينات الوزارة، وأوضحت المصادر أنه نتيجة الأزمات تلك اعتذر الطرفان خلال الأشهر الماضية عن عدم استكمال حضور الاجتماعات، وهو ما ترتب عليه تنفيذ «الأوقاف» المشروع منفردة، غير أن مشيخة الأزهر فاجأت الوزارة بالإعلان عن تدشين أكاديمية لجميع القائمين على العمل الدعوى، سواء وعاظا بمجمع البحوث أو أئمة بالمساجد أو قائمين على أمر الفتوى بدار الإفتاء، تحت رعاية شيخ الأزهر وبإشراف مجمع البحوث، قبل ساعات من افتتاح الوزارة للأكاديمية الخاصة بالأئمة، ليغلق الأبواب أمام مساعي الوزارة في تدشين الأكاديمية منفردة.
خلاف متجذر
الخلاف حول توحيد أكاديمية موحدة لتدريب الأئمة لم يكن المحطة الأولى للخلاف الدائر بين الأزهر والأوقاف، بل سبقته محطات عدة خلال الأعوام الماضية وربما كان أشهرها ما أثير حول «الخطبة المكتوبة»، وذلك حينما أعلنت وزارة الأوقاف عزمها في تطبيق الفكرة، والتي تعنى توحيد خطبة الجمعة بموضوع ديني واحد، يوزع مكتوبا على كل الأئمة في مساجد محافظات الجمهورية، بدعوى محاربة التطرف الفكري والشرود الديني، وهو ما لم يلق استحسانًا من مشيخة الأزهر وعلمائها، الذين أعلنوا رفضهم التام لتنفيذ قرار الأوقاف، وخرج حينها بيان شديد اللهجة، أصدرته هيئة كبار العلماء بكامل تشكيلها بحضور الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أعلنت من خلاله رفضها تطبيق للخطبة المكتوبة، بدعوى أنها تسهم في قتل ملكات الإبداع لدى الأئمة، وتجعل الخطباء مكبلين ومنكبين على الورق، وحينها سارع القطاع الديني بوزارة الأوقاف بإصدار بيان أكد فيه أنه لم يكلف أحدًا غير أئمة الأوقاف المسئولين بدورهم عن المساجد بالخطبة المكتوبة، وأن سبيل الوزارة في تعميمها بجميع مساجد الجمهورية هو الحوار والإقناع.
ومن أحد فصول الخلاف أيضًا في فبراير عام 2015، بعد صعود مختار جمعة وزيرًا للأوقاف، وقتها صدر قرار من أحمد الطيب شيخ الأزهر، أخرج فيه وزير الأوقاف من عضوية المكتب الفنى للإمام الأكبر، وإسناد رئاسة المكتب للدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، ليرد الوزير على قرار الإمام بـ«عزل شومان» من رئاسة مجلس إدارة مسجد الحسين، وعلى إثر هذه الأزمة امتنع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر حينها عن حضور المؤتمر العالمي الرابع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، في سابقة تعد الأولى من نوعها، واستمرت حتى المؤتمر التاسع والعشرين للمجلس والذي انطلقت فاعلياته السبت الماضي، وسط غياب لشيخ الأزهر للعام الخامس على التوالي، كما شهدت العلاقة بين المشيخة والوزارة أزمة «تصاريح الخطابة»، حيث صدر قرار من وزير الأوقاف أثار جدلًا كبيرًا، بمنح تصاريح خطابة لقيادة التيار السلفي، مؤكدًا أن القرار كان بمعرفة شيخ الأزهر، إلا أن مكتب الأخير في المشيخة أصدر بيانًا، نفى فيه علاقته بالأمر، وقال بيان المشيخة آنذاك: «لا علم للأزهر مطلقًا بهذا الأمر، ولم يؤخذ رأي الأزهر فيه، والأزهر يستطيع لو أراد منح التراخيص دون وساطة بصفته المنوط بالدعوة الإسلامية بنص الدستور».
حلقات الصراع
لم يقف الأمر عند هذا الحد وشملت حلقات الصراع العديد من تبادل الاتهامات والتصريحات النارية سواء فيما يتعلق بقضايا تجديد الخطاب الدينى أو موقف المؤسستين من دعوات تنقيح التراث، وربما كان آخر تلك الفصول فشل المؤسستين في إعداد قائمة موحدة للفتوى العام الماضى، وذلك بعد أن عقد الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد بصفته رئيس المجلس الوطنى للإعلام، اجتماعات موسعة مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية، والدكتور مختار جمعة وزير الأوقاف لإعداد قائمة موحدة لتحديد من لهم الحق في الظهور على الفضائيات، والتصدي للتحدث في أمور الدين، في محاولة للحد من انتشار الفتاوى الشاذة، وحينها خرجت قائمة من الأزهر والإفتاء عرفت باسم قائمة الـ«50» خلت حينها من أي اسم من قيادات الأوقاف، ليخرج الوزير حينها، ويعلن أنه اتفق مع المجلس الأعلى للإعلام على إعداد قائمة شملت أكثر من 100 من أئمة الأوقاف، ومن تجاهلتهم قائمة الأزهر للحديث في أمور الدين على القنوات الفضائية.
دينية البرلمان
المعركة بين الأوقاف والأزهر انتقلت إلى مجلس النواب، وتحديدًا أثناء مناقشة اللجنة الدينية بالبرلمان لإعداد «قانون الفتوى» والذي ينظم عملية الفتوى ومن لهم حق التصدى لها، وحينها اعترض الأزهر على إعطاء أئمة الأوقاف حق الفتوى، وهو ما أزعج بشدة وزير الأوقاف وأكد حينها أن الوزارة تمتلك إدارة منفصلة للفتوى وتصدى لها من إنشائها، وحينها طلبت اللجنة الدينة بمجلس النواب من الوزارة تقديم ما يفيد أن لديها إدارة متخصصة للفتوى وهو ما تم بالفعل.
من جانبه أوضح الدكتور محمود مهنى، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن الأمر مختلف بين الجانبين، لا سيما وأن الأزهر يمتلك إدارة للوعظ والإرشاد، وأما فيما يتعلق بالأوقاف فإن الأكاديمية تعنى بتدريب أئمتها التابعين لها، مؤكدًا أن المؤسستين تعملان من أجل الدين، ومن أجل الوعظ والإرشاد الذي يخدم الأزهر كليًا، لأن الأوقاف هي في الأساس تابعة للأزهر، مشيرًا إلى أن الأيدي والقلوب بين الهيئتين متحدة ولا فرق بينهما، وأضاف: الأمر يمس الأزهر كأزهر هيئة أو أوقاف لأن «كلهم أزاهرة» مؤكدًا أن علماء الأزهر ينقون المادة العلمية من معين واحد، وهو القرآن والسنة وإجماع الأمة، ولا يوجد أي خلاف بين مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف أو غيرها من المؤسسات الدينية فالجميع يعمل تحت راية الإسلام، وأوضح عضو هيئة كبار العلماء أن الإمام الأكبر شيخ الأزهر هو إمام لكل ما هو دينى في مصر، كما أنه إمام بلاد المسلمين، قائلا« كلنا يرأسنا شيخ الأزهر وهو رئيس مجلس حكماء المسلمين على مستوى العالم».
نقلا عن العدد الورقي