رئيس التحرير
عصام كامل

اعترافات أبو مازن للصحافة المصرية


في محطة وصوله إلى القاهرة يحرص الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، أن يلتقى عددا من الصحفيين والإعلاميين، وعادة ما أكون ضمن هذه الكوكبة؛ لنحظى بلقاء يتسم بالمصارحة والشفافية في كل ما يتعلق بقضيتنا الأم، وهمنا الأكبر وأولويتنا الأولى لنعرف ما يدور في الكواليس، بعيدا عن النشر، وحتى تتسع الرؤية، ويقرر كل منا ما يمكن نشره، وفق ما ينبغى أن يكون، وسط حالة من العتمة، التي تكتنف سير القضية وما يدور حولها في العواصم كافة.


يوم الجمعة الماضي، كان لقاءً بعد طول غياب مع الرئيس أبو مازن، الذي يحرص على الدردشة بمساحة من البوح، حول كافة التفاصيل التي لا يترك فيها الرجل صغيرة أو كبيرة إلا ويتحدث فيها بانطلاقة الرجل الثمانيني، الذي اعتاد على مواجهة الصعب والمحرج والملغم من الأسئلة التي تطرحها ماكينة الإعلام، ممثلة في نخبة من الزملاء الذين يمثلون كافة أطياف اللون السياسي والصحفي.

"صفقة القرن" أو "صفعة القرن" كما يسميها البعض، وما يتم تسريبه من الميديا الغربية وبعض العواصم العربية، كانت محورًا لحديث الرئيس، الذي قال عنها بالحرف: "لا يوجد شيء اسمه صفقة القرن". مضيفًا: "يتحدثون عن لا عودة وعن لا حدود وعن لا دولة، إذن ليس هناك صفقة.. لن نقبل بغير القدس عاصمة، ولن نقبل إلا بحدود ٦٧، ولن نقبل بغير عودة اللاجئين.. هذا طريقنا، ولن نحيد عنه، ولن أنهى حياتى بخيانة أو بيع أو تفريط".

وقال: "التقيت الرئيس الأمريكى أربع مرات، وفى المرة الأخيرة تحدث معي بانفتاح كبير، مما شجعنى على طرح ما لديّ، فقلت له إذا كانت لدى الإسرائيليين هواجس أمنية، فلدينا أيضا نفس المخاوف، والحل يكمن في أن تضع بيننا قوات من الناتو، وكان مدير الأمن القومى الأمريكى حاضرا اللقاء، فسأله ترامب: هل لديك قوات؟ رد الرجل نعم لدينا ستة آلاف جندي.. رد ترامب: إذن نضعهم هناك.. انتهى اللقاء وبعدما عدت فوجئت بقراره نقل السفارة الأمريكية إلى القدس"!!

وعن ألغاز الموقف الأمريكى، قال الرئيس الفلسطينى أبو مازن: في طريق عودتى من نيويورك طلب منى الأمريكان لقاءً عاجلًا.. قلت: إننى في طريق العودة.. طلبوا منى أن ألتقى قنصلهم في فرنسا، وكانت المفاجأة عندما أبلغنى القنصل الأمريكى أن لديهم مشكلة، وهى أن لدى الكونجرس قرارات منذ عام ١٩٨٧م، تقول بأنكم إرهابيون.. قلت له: ومع من وقعتم ورعيتم اتفاقاتنا مع الإسرائيليين.. إن لدينا ٨٧ بروتوكولا أمنيا مع ٨٧ دولة، مثل: فرنسا وكندا وألمانيا، وغيرها من الدول الكبرى، فكيف تقولون بأننا إرهابيون!!

منذ هذا التاريخ، ولا يزال قرار الرئيس أبو مازن ملزما لكافة الفلسطينيين، بعدم الحديث أو الحوار مع الأمريكيين.. ينطبق القرار على الموقف الرسمى وغير الرسمى، ولم تجرِ منذ هذا الوقت أي حوارات رسمية، أو غير رسمية، مع أطراف أمريكية، إذ كيف يحتفظ الكونجرس بمثل هذه القرارات، وقد استقبل قادة فلسطينيون كلينتون وأوباما وعددًا من الشخصيات الأمريكية على أرض فلسطين!

يبوح الرئيس الفلسطينى ببعض التفاصيل التي ترتبط بعملية الانتخابات المزمع إجراؤها على كافة أراضى فلسطين، عندما يعلن عن موقف غريب من حماس.. أكد الرئيس أنه يرفض أي انتخابات، إذا لم تتضمن الانتخابات في القدس، فخرج الزهار القيادى الحمساوى بقوله: ليه هي القدس مكة؟ فكان رد أبو مازن: نعم قدسنا مكة ولن نعترف بأي انتخابات دون إجرائها في القدس، مثل بقية الأراضى الفلسطينية.

ويتذكر الرئيس أبو مازن عندما دعا الملك عبد الله خادم الحرمين الشريفين (عليه رحمة الله) حماسَ وفتحَ، ويقول: أقسمنا على أستار الكعبة، وبعد ثلاثة أشهر فقط، انقلبوا على الاتفاق.. يضيف: نتعرض لثلاث معارك صعبة مع إسرائيل ومع أمريكا ومع جماعتنا في حماس، فالمواقف الثلاثة ليست بعيدة عن بعضها، وكما تعلمون فإن جماعة الإخوان لا تتناقض مع الأمريكان، بل تعمل معها ولصالحها ووفق أجندتها، ولا تصدقوا الشعارات.

يقول أبو مازن: دخلت عامى الرابع والثمانين وليس لدى سلاح أقاتل به غير سلاح السلام، ولن أنهى حياتى بخيانة، وإن ظلت الأبواب أمامى مغلقة، لن أتراجع عن إعادة النظر في اتفاق أوسلو.. أدواتى في المعركة شعب يصل تعداده إلى ستة ملايين ونصف المليون يقيمون على أراضى فلسطين التاريخية، في مواجهة أسطورة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.. شعبنا لم يترك أرضه ولن يتركها.

وعن حماس يقول: حماس تأخذ الماء والكهرباء وتتاجر في الدواء، مؤكدا أنه لن يستمر كثيرا في دفع الـ ٩٦ مليون دولار شهريا التي يدفعها للقطاع، إذا استمر الوضع على ما هو عليه!!

سؤال يطرح على مائدة الرئيس أبو مازن: هل هناك دول عربية تمارس عليكم ضغوطا للقبول بحل بعينه؟ يرد الرئيس بحسم: اتفقنا منذ زمن بعيد على ألا نتدخل في شئون الغير، وألا يتدخل الغير في شئوننا، ومنذ هذا الحين، ولا يجرؤ أحد على التدخل في شئوننا، ولن نسمح بذلك أبدا، مؤكدا أن أدوات معركة السلام لم تنضب، موضحا أن لديه فريق عمل اجتماعى يدير حوارا في الفضاء الإلكترونى مع أطياف مختلفة من الشعب الإسرائيلى، "وقضيتنا تصل إلى هذه القطاعات، وينضم إلينا أعداد كبيرة من المواطنين الذين تنكشف أمامهم خدع حكوماتهم".

ويضرب مثلا على ذلك بالأكراد "الذين يستجيبون للحوار، ويتفهمون أن تاريخنا واحد وأنه لا خلاف بيننا، وأن السلام لابد أن يعم، وأن فكرة العداء الدائم لا بد أن تنتهى بعودة الحقوق إلى أصحابها". ويقول: قادة من حزب الليكود زارونا، وتحدثت معهم ووصلت قناعاتنا إليهم واستجابوا لنا، وعندما عادوا، أي هناك، كان قرار فصلهم من الحزب بسبب تبنيهم لوجهة نظرنا الداعية إلى السلام.

يقول أبو مازن : أتحدث يوميا مع الإسرائيليين، ونتنياهو ليس بحاجة إلى وسيط ليدير حوارًا معى، فكلما أردنا التحدث نتحدث، وضباط حراسة نتنياهو وضباط حراستى معا، وبشكل دوري وشبه يومى.. ويطالب أبو مازن العرب بعدم إقامة حوار رسمى مع الإسرائيليين بحجة القضية راجيا من الشعوب العربية زيارة المقدسيين ودعمهم، مؤكدا أن هناك فرقًا بين التطبيع مع الجهات الرسمية، وزيارة القدس، التي يجب أن يشعر أهلها أن العرب معهم، وليسوا بعيدين، وكما أردد دوما زيارة السجين وليس زيارة السجان.

وعن إمكانية اغتيال الإسرائيليين له، قال: يمكنهم فعل ذلك، وفى أي وقت، فأنا لست بعيدا عنهم ولا بمأمن منهم، وهذه ليست قضية، فالعمر بيد الله، وإذا قرروا ذلك يستطيعون فعله في أي لحظة كما فعلوه مع عرفات، من قبل، وهذا لن يثنينى عن موقفى، فالأقدار بيد الخالق، وقضيتنا لن نحيد عنها، ولن تخيفنا مثل هذه الاحتمالات.. المشكلة ليست فينا.. المشكلة الحقيقية أنهم يؤمنون أنه لو عم السلام ستنتهى دولتهم.. هذا يقينهم!!
الجريدة الرسمية