«٢٠١٩» وماذا بعد؟!
ساعات قليلة تفصلنا عن بداية عام ميلادي جديد، ومع أجراس ٢٠١٩، أتمنى أن يكون عاما نتقي الله في كل دقيقة يمنحنا فيها الحياة، "فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"، والحياة منحة عظيمة من الله لمن يعلم أنها درس واختبار، ولكنه اختبار من نوع مختلف، فالوقت المتاح للاختبار ليس ثابتا لكل إنسان، وإنما يتباين على حسب الأجل المكتوب لكل إنسان، والحكيم من يُدرك هذه الحقيقة، ويفهم الدرس وينجح في الاختبار ويصبح مستعدا للقاء الواحد الأحد، يوم لا ينفع مال ولا بنون ولا منصب ولا سلطان!
ولأن الله هو الرحمن الرحيم، فمن رحمة الله بعباده أن يمهل من لا يدرك الدرس ومن لم يصيب في الامتحان، ويَمد له في عمره، رحمة من العلي العظيم، حتى يُدرك أن الموت حق ويوم القيامة حق وأن الحساب قادم لا محالة، ثم يسير في طريق التوبة، ثم الندم، ثم العَزم على عدم العودة إلى الذنوب والمعاصي، ويستثمر مِنحة الله عز وجل له في كل دقيقة يعيشها، فقد لا يستطيع أن يُخرج آخر نفس استنشقه في الدقيقة التي تليها!
أكتب هذه الكلمات في هذا التوقيت، بعد أن انتشر في مجتمعنا أشكال مختلفة من مظاهر عِبادة الدنيا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ومنها المجاهرة بالمعاصي والسخرية من كل شخص يحاول التذكير بيوم الحساب، في وقت انتشر فيه موت الفجاءة بين خير الشباب، مع تأخير ساعة أشخاص تسعى خلف هواها بكل شر ومعصية، لذا ارتفع معدل الإصابة بالاكتئاب المَرضي بين كافة أطياف المجتمع، كل حسب طموحاته وتوقعاته في الحياة، وقد تحدثت عنه في مقال سابق بعنوان "الاكتئاب يقتلنا"، وأصبحنا نقرأ كثيرا أخبار انتحار شاب أو فتاة، نتيجة الإصابة بالاكتئاب، إنه واقع مؤلم ولكن مغزاه هو سرعة التقرب من الله وحسن الظن بالله، حتى لا نُصبح فريسة لسيف الاكتئاب البتّار، في حياة ازدحمت بكل ما يدفعنا إليه!
لا شك أن الكثير منا لديه في حياته الكثير من الذنوب والمعاصي، بل الخطايا التي لا يعلمها إلا الستار الحكيم، ورسالة الطمأنينة في هذين الوصفين للمولى عز وجل "الستار الحكيم"، حيث الوصف الأول يحمل رسالة لليقين من رحمة الله مهما بلغت المعاصي، إذا اقترنت بالستر من الله، فما ستر الله على عبد إلا ليمهله ويمنحه أجلا، أي وقت إضافي للامتحان، وما على العبد إلا السرعة في الدخول إلى طريق التوبة والندم والعزم، لكن إذا استمر العبد في طريق الذنوب والمعاصي، فإن المولي عز وجل لابد أن يُعلي حكمته، ولن يهمل بعد أن أمهل، وعلى كل عاصٍ أن يتوقع خزي في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة!
أعلم أن بعض الناس ينتظرون هذا الوقت من كل عام، وبدلا من أن ينتبهوا إلى اقتراب قطار العمر من محطة النهاية، وما عليهم إلا أن يجتهدوا في طريق الرجوع إلى الله، فإنهم يذهبون إلى اللهو بكل ما يغضب الله حتى يثقل ميزانهم بالذنوب والمعاصي!
وأخيرا أذكركم ونفسي أولا، بأن ندرك دائما معاني "الرحمن الرحيم الستار الحكيم"، ويارب ٢٠١٩ تكون سنة سعيدة في أعمارنا جميعًا، أتمنى لي ولكم بداية ٢٠١٩، وقد أعددنا لها العُدة للتوبة والندم والعزم على أن لا نعود إلى الذنوب والمعاصي أبدا ما حيينا، وأن يكون شعارنا فيه: بِسْم الله الرحمن الرحيم "وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" صدق الله العظيم.