رئيس التحرير
عصام كامل

خلاويص؟!


عادة يدفعني للكتابة أحداث أو مشاعر تثير رغبتي في التعبير والإنشاء، وبعد أن أنتهي من كتابة المقال ومراجعته، أختار له عنوانا، لكن مع هذا المقال استقر قلمي على العنوان قبل البدء في كتابته، ولعل هذا العنوان مقتبسا حرفيا من اسم العمل الفني الرائع الذي كتبه المبدع السيناريست الدكتور فيصل عبد الصمد والأستاذ لؤي السيد، إنه فيلم "خلاويص؟!" الذي جسد بطريقة فنية ثلاثية الأبعاد وفي أقل من ساعتين أحداث هزلية نعيشها دون أي مبرر!


فبينما كنت أبحث عن فيلم كوميدي لمشاهدته، في محاولة للهروب من واقع يتسبب في إصابتي بالاكتئاب، وجدت فيلم اسمه "خلاويص؟!" ورأيت صورة طفل في إعلانات الفيلم، وصورة الفنان أحمد عيد والفنانة آيتن عامر، كل ذلك جعلني أعتقد أنني بصدد مشاهدة فيلم كوميدي جدا، ومع بداية المشاهدة، عشت في دهاليز حدوتة درامية حزينة ذات نهاية مفتوحة، ربما يراها البعض كوميديا، لكثرة الإفيهات المضحكة، لكنني رأيتها كوميديا سوداء..

وأكاد أجزم أن كتابة السيناريو الخاص بفيلم تم بلغة واقعية حقيقية بسيطة غير مبالغ فيها، سطرت في طياتها الصغير والكبير من الأحداث التي نعيشها في وطننا، فلم يغيب عن أحداثها الهضبة وبرج الحوت، كما لم يغيب عن أحداثها أيضا الاضطرار للهجرة غير الشرعية والاستعداد لاستقبال الموت في أي وقت بمبدأ "هي موتة ولا أكتر، كده ميت وكده ميت"!

خلاويص؟! أحداث نعيشها كل يوم، عندما نُبتلي بمسئولين لا يفعلون أي شيء إلا بغية المصلحة الشخصية في حرب البقاء والاحتفاظ بالكرسي، وضحايا هذه المعركة هم أرخص أطرافها، فمأمورية الضبط والإحضار التي قامت بالقبض على طفل لم يتجاوز ١٠ سنوات، نظرا لتطابق اسمه مع اسم مجرم مطلوب للعدالة لم يتم التوصل إليه، ضمن أحداث الفيلم الدرامية، ربما تكون قد حققت لضابط المأمورية الاحتفاظ بمنصبه لكنها في الوقت نفسه، قد قضت على مستقبل أسرة كاملة، طفل صغير يتم سجنه، أب مكافح يّدفع بنفسه إلى السجن ليصاحب طفله في محبسه، تاركا خلفه والديه في أرذل العمر بلا سند أو ظهر في حياة مظلمة حزينة!

ومع بشاعة الحدث، إلا أن توابعه أكثر بشاعة، عندما يتم استخدام هذا الحدث المأساوي، من الشخصيات المعنية بنقل هموم وأوجاع الشعب الحقيقية، خلال تقارير دورية، وبدلا من أن تسطر واقع سوء العيش وضيق الحياة، تقوم بنقل وتصدير واقع آخر، هو انشغال الشعب بقضية الطفل المحبوس ولغز برج الحوت وحمو بيكا ورقصة الكيكي وفستان رانيا يوسف ومباريات الأهلي والزمالك وغيرهم، بعد أن يصبح كل حدث من هؤلاء "رغي عام"، لكنه من النوع المصري، فمواضيع الرأي العام المصرية اندثرت وأخذت مكانها ظاهرة "الرغي العام" على وسائل التواصل الاجتماعي وكلما اقترب الناس من الزهق في الرغي في الموضوع نفسه، يتم إنتاج موضوع آخر لأن "الإيد البطالة نجسة"!

لم يكتفِ السيناريست المبدع فيصل عبد الصمد بهذا التجسيد العبقري، بل كان أمينا في توصيفه، حين جَسد لنا الفساد في شكل أشخاص تحمل جينات الفساد السائدة في تكوينها وربما يكون أشخاص أخرى من ذريتهم لا يحملون هذا الجين الفاسد، حين جسد الشرف والعدل، ذلك الضابط الصغير الذي وقف ضد خاله "المسئول الكبير الفاسد" بل وقام بالشهادة ضده في محاولة لتبرئة شخص مظلوم على يد فاسد، والمُبكي أن هؤلاء الأشخاص يُجوّدون في كل فساد يرتكبونه، دون أن يُطلب منهم لكنه اعتقادهم المريض، هؤلاء يعتقدون دائما أنهم وطنيون ويحافظون على استقرار الوطن ورفعته وكم من مصائب ارتكبت ومازالت تُرتكب تحت شعار "الوطنية والحفاظ على الوطن" والحقيقة كل ما يعني هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم وفقط!

وبعد نهاية أحداث الفيلم، أصبحت كلما استمعت إلى كلمة "خلاويص" فإن لساني يسبقني في الرد: "لسه"، خاصة عندما أرى أوجه كثيرة للفساد، النفاق فساد والأكثر نفاقا من يستقبل النفاق، الكذب فساد والأكثر كذبا من يكذب على نفسه، الجهل فساد والأكثر جهلا من يدعي العلم، الظلم فساد والأكثر ظلما من يظلم نفسه يوم لا ينفع فيه مالا ولا بنون!
وأخيرا.. خلاويص؟!.... لسه!
الجريدة الرسمية